منبر العراق الحر :
الكراهية ، والتحريض عليها ، جريمةٌ يرفضها كلّ إنسانٍ سوي .
الكراهية هي نفورٌ وإشمئزاز من شخصٍ أو مجموعةٍ ، وغالباً تكون بسبب العرق أو اللون ، أو الانتماء أو الميول .
وفي بعض دول العالم الغربي وأمريكا وطبقاً للقانون المعمول به ، فإن السلوك الناتج عن الإزدراء أو الاحتقار والكراهية ضد الآخر ، أو ممارسة التمييز ضد جماعةٍ معيّنة إن كانت قومية أو دينية أو مذهبية ، هي أشياء ممنوعة ويُحاسب عليها القانون .
ولكن وبشكلٍ عام فإن ثقافة الكراهية هي مرفوضة شكلاً وموضوعاً ومضموناً عند الإنسان السوي والعاقل ، حيث أن أصعب الحروب هي الكراهية ، فالكراهية لا تصنع وطناً ، ولا تُحقّق حلماً ، ولا تُقيم ديمقراطية .
الآن نستطيع أن نقول بأن الكراهية موجودة في بقاع العالم وتُمارس بشكلٍ أو بآخر ما بين دولةٍ وأخرى ، علماً أن الأمم المتحدة لعبت دوراً في مكافحة أشكال التمييز أو نشر الكراهية ، وذلك وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1904-18D في عام 1963 بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، حيث في البند السابع من القرار المذكور ” لكل إنسان الحق في المساواة أمام القانون وفي العدالة المتساوية في ظل القانون ، دون تمييزٍ بسبب العرق أو اللون والأصل الإثني ، و حق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنفٍ أو أذى بدني يلحقه سواء رسمي أو من أي فردٍ أو جماعةٍ أو مؤسسة .
كما له حق التظلّم من ذلك إلى المحاكم المستقلة المختصة التماساً للإنصاف والحماية .
وعلى الرغم من أن الدول العربية قد وقّعت وصادقت على ذلك القرار ، وعلى قرارات أخرى خاصّة بالمواثيق والمعاهدات التي تُعزّز حقوق الإنسان وتصونها من الانتهاكات ، إلآّ أنها وبكل أسف ظلّت حبراً على ورق ، إذ ما تزال جرائم الكراهية والتحريض عليها تُمارس يومياً ، حيث تُرتكب جرائم الكراهية والتحريض عليها في العديد من الصحف والفضائيات ومواقع الانترنت وغيرها ، وأحياناً بشكلٍ رسمي ، بهدف نشر ثقافة الكراهية والعنف وازدراء واحتقار والحطّ من مكونات النسيج الاجتماعي والسيادي للآخر .
حالياً هناك هجمة في الغرب ، لا بُدّ من التصدي لها ، والمُتمثّلة بالترهيب من الإسلام ، والمعروفة ” بإسلام فوبيا ” ، فالآن هناك المئآت من مواقع الانترنت وعشرات القنوات الفضائية ، والكثير من الصحف الغربية تقوم بذرائع مختلفة ببث الدعاية السلبية وغير العقلانية ضد الإسلام والمسلمين .
وقولاً واحداً إن ” إسلام فوبيا ، أو ” رهاب الاسلام ” هو ظاهرة من نتاج تقاطعات الخصائص الهجومية للعنصرية الغربية في هذا العصر .
بالفعل كان هناك تواجداً للمسلمين في أوروبا ، وعلى الدوام ، ولكن بنفس الوقت كانت هناك ثلاث تيارات تواجه المسلمين فعلياً ، هي : اسلام فوبيا ، ومعاداة الإسلام ، والتطرف والفكر الوهّابي والحكومات المنحرفة .
وكل هذه التيارات لعبت بل إستخدمت في مختلف الفترات التاريخية أساليب خاصّة للهجوم على المسلمين وعلى الإسلام ، ولكن بنفس الوقت هناك أصعدة عديدة يمكن التصدي من خلالها على إسلام فوبيا إن كان على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو العلمي .
ففي المجال الثقافي يمكن الاستفادة من طاقات المسلمين في أوروبا من خلال المراكز التقليدية لنشر الوجه الحقيقي للمسلم الخيّر والمعطاء والإنسان .
وأيضاً في المجال السياسي لا بُدّ من تقوية الجاليات الاسلامية من خلال نهجٍ معتدل لها ، ومن خلال سياسة التسامح والأخلاق والحكمة ، فالكثير من المسلمين متواجدون في مختلف حكومات وبرلمانات العالم ، وهم بطبيعة الحال يسلكون الدرب المعادي للكراهية والعنف والتطرف .
وفي المجال الاجتماعي لا بد من تقوية دور التيارات العقلانية الاجتماعية للمسلمين المعتدلين في أوروبا وتعزيز الصلات الاجتماعية بينهم وبين المواطنين المحليين والمجتمع الذي يعيشون فيه .
وأيضاً الطلبة الذين يدرسون في أوروبا عليهم مهام من خلال إيجاد الصلات بينهم وبين الطلبة الآخرين بهدف تعريفهم العميق بالمجتمع العربي والإسلامي ومفهومه الإنساني .
لذا نستطيع أن نقول بأن كل ما نحياه من مشاكل هو بسبب غياب سياسة أو ثقافة الحوار ، فهناك وبسبب ثقافة الإقصاء خنادق بين إنسانٍ وآخر ، وأصبحنا شبه غرباء ، اصبحنا إن اختلفنا على أفضلية المرور نقتل بعضنا ، وإن اختلفنا على لون ملابسنا نقطع رؤوس بعض ، مع الأسف لم نتعلم قبول الآخر الذي يختلف عنّا فكرياً أو ثقافياً أو عرقياً أو سياسياً ، والمصيبة لا تكمن بأننا نرفض الآخر ، بل المصيبة الكبرى تكمن بأننا نريد قتل الآخر وكأنه لم يكن .
مع الأسف ثقافتنا مُجرّدة من الحسّ الانساني والحضاري ، حتّى الإرهابي المتطرف أصبح يملك مفاتيح الجنّة .
من الأقوال الجميلة لجورج برناردشو ” التقدم نحو الأفضل لا يتم إلاّ عن طريق التغيير ، وهؤلاء الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون أن يُغيّروا شيئاً “.
فرعون حين قال ” أنا ربكم الأعلى ” قال سبحانه وتعالى لموسى وهارون ” إذهبا إلى فرعون إنه طغى ، فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّر أو يخشى ” .
هكذا كان عطف وتسامح الله بمن قال ” أنا ربكم الأعلى ” .
علينا أن نتعلّم ، ومهمتنا ككتّاب وإعلاميّون ومفكرون وعقلاء وحكماء مهمة كبيرة ونبيلة ، فعلينا أن نتوجّه دوماً نحو الأفضل حتى نستطيع أن نُغيّر كل مُتابعٍ لنا نحو الأفضل .
فعلينا إعادة تأهيل الإنسان كإنسان ، وأن نرفض كلّ ثقافةٍ متطرفةٍ لا أخلاقية .
فالإنسان الآن حينما يستمع إلى الآخر يُبرمج نفسه كي يردّ عليه الصاع صاعين ، ولا يستمع إليه كي يفهمه ، حيث ردودنا أصبحت مُعلّبة ، كعلب الكونسروة ، ومواقفنا أيضاً هي هي ، مُحنّطة ، ولا جديد في حياتنا حيث غُسلت أدمغتنا بثقافةٍ لا علاقة لها بالحضارة والحسّ الإنساني .
نعتقد أن الوقت قد حان لإصدار قانونٍ جاد وخاص بجرائم الكراهية والتحريض عليها ، وضرورة بذل كل الجهود لتضييق وتجفيف منابع ثقافة الكراهية ومحاسبة أي شخص أو وسيلةٍ إعلامية أو جماعةٍ تروّج أو تنشر مثل هذه الثقافة الشريرة والخطيرة . وإحلال ثقافة الحوار والتسامح ومبادىء حقوق الإنسان واحترام القانون وقبول الآخر . ونبذ التعصّب والتطرف ، ومحاربة الإرهاب ، وبتر سياسة الإقصاء ، وتعزيز روح التسامح والتعايش والحوار بين كل مكوّنات مجتمعاتنا .
asasfari@gmail.com