أبعاد إجتياح غزّة . …. د . أنور ساطع أصفري

منبر العراق الحر :

الشعب العربي على إمتداد الساحة العربية المترامية الأطراف ، وقف ويقف مع الشعب الفلسطيني ، ومع الأحداث الدامية التي جرت وتجري في قطاع غزّة وعليه ، ومع الواقع الإنساني المتردي هناك نتيجة نتيجة الإجرام المتواصل لقوات الإحتلال في الميدان . وها قد مضى 14 يوماً على أحداث غزّة ، ومع مستجداتها تفكّر قوات الاحتلال بإجتياح قطاع غزّة ، وتفريغ نصفه الشمالي كي تُقام عليه وفي جواره مستوطنات إسرائيلية لتكون بمثابة حزام أمان لدولةِ الاحتلال ، ولهذا تقوم القوات الإسرائيلية وبشكلٍ متسارع قصف غزة وتدميرها ، وقتل أبنائها ، وتفريغ أرضها من الإنسان المقاوم ، وتركت لهم بل نصحتهم بالتوجّه نحو الجنوب .علماً أن خسارة إسرائيل لغاية الآن نتيجة حربها مع غزة هي أضعاف خسارتها في حرب لبنان عام 2006 بثلاث مرات ، والتي استمرت مع حزب الله 34 يوماً . الجميع يعلم كيف خسرت أمريكا حربها مع فييتنام ، وكيف اضطرّت تحت حجم هجمات الفيتناميين وفي كل مكان وتكبيدها خسائر كبيرة ، على الانسحاب من فييتنام عام 1975 ، لعدم قدرتها على الاستمرار .الفيتناميون استخدموا اسلوب الأنفاق في حربهم مع أمريكا ، وانتصروا عليها ، لأن الأمريكان لم يعد باستطاعتهم تقدير من أين يأتيهم الهجوم . الآن ما يحدث في إسرائيل وغزة متشابه تماماً مع ما حدث لأمريكا في فييتنام ، بل أكثر تعقيداً ، فغزة مليئة بالأنفاق وفي كل إتجاه ، ومن المؤكّد أن أبناء غزة ينتظرون الإجتياح لإستخدام هذه الأنفاق وإنهاك جيش العدو الإسرائيلي ، وتكبيده خسائر فادحة . حيث أن أنفاق غزّة تمتد لمسافة 42 كيلومتراً طولاً ، و11 كيلومتراً عرضاً ، والجميع الآن أقصد أصحاب القضية والمتابعين ينتظرون بداية الحرب البرية والتي ستكون بمثابة اليوم الأسود لجيش الإحتلال . آخذين بعين الإعتبار بأن غزة تمتلك الآن أسلحة حديثة نوعاً ما أكثر من ذي قبل ، حيث أنها فاجأت الجميع حتّى الإسرائيليين ، منها طائرات مُسيّرة صناعة محليّة وطائرات شراعية ، استطاعت حمل المقاتلين الفلسطينيين لمسافة 30 كيلومتراً في عمق المدن والبلدات الإسرائيلية ، وقنابل حارقة استطاعت تدمير آليات ودبابات إسرائيلية ، وصواريخ وصلت إلى تل أبيب ، إضافة إلى منظومة دفاعٍ جوي محلية الصنع . صحيح أن إسرائيل تؤكّد بأن عمليتها في غزة ستكون لا مثيل لها في ضراوتها ، وقامت وزارة الدفاع باستدعاء قسم كبير من قوات الاحتياط بلغ حوالي 350 ألف عنصر . كما قاموا بتنفيذ خططهم بتدمير البنية التحتية لقطاع غزة .ولكن ولغاية الآن وبكلِ تأكيد أن قوات الإحتلال ليس لديها الرؤية الواضحة عمّا ستؤول إليه الأمور بعد بدء عملية الحرب البرية لقطاع غزة . حتّى رئيس مكتب الأمن القومي الاسرائيلي قال لا نعرف على وجه اليقين كيف سيكون الوضع بعد بدء الاجتياح .ويرى الاسرائيليون أن ما كان يُستخدم سابقاً في غزة ، لم يعد يفي بالغرض ، في نظرهم ، فهم يملكون الآن غضباً واسع النطاق ، ممّا فعلته غزة في السابع من اكتوبر ، وكبّدتهم خسائر كبيرة في الأرواح وكذلك الجرحى والأسرى والمعدات العسكرية . إسرائيل الآن لا تفكر بالمناوشات مع غزة ، أو تدمير بنيتها التحتية ، بل يفكرون بتدمير كل ما يتعلق بصلة مع حماس وسواها من منظمات المقاومة فيها . وبنفس الوقت الكثير من الإسرائيليين تنتابهم مخاوف فعلية لإدراكهم بأن حماس مغروسة بشكلٍ واسع في قطاع غزة ، وفصلها عن القطاع أو اجتثاثها هي مهمة أشبه بالمستحيلة . مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الضفة الغربية المحتلة هي جبهة أخرى قد تُفتح في وجه قوات الاحتلال . كما أن موقف السلطة الفلسطينية الذي يحدّ من نهج المقاومة لارتباطها باتفاقيات بينها وبين إسرائيل ، صحيح أن السلطة الفلسطينية نددت بالهجوم على غزة ، لكنها بنفس الوقت تمنع المظاهرات المؤيدة لغزة ، ولن تسمح بالمقاومة المسلحة ، وإذا سمحت السلطة بالمظاهرات في رام الله على سبيل المثال ، ممكن أن تتحول من مظاهرات بالمئآت إلى مظاهرات بعشرات الآلاف ، وهذا لا يتلائم ولا يتوافق مع نهجها . فهناك منظومة لديها مصالح ومكاسب شخصية لا تريد التفريط بها ، وتحرص على الحفاظ عليها وبها ، وإذا إهتزّت قبضة السلطة في رام الله ، فإن الوضع هناك سيتدهور وسيقف الفلسطينيون إلى جانب غزة بكل قواهم ، وبالتالي يتلاشى الهدوء الذي تحافظ عليه السلطة ، وبالمحصّلة فإن إقتحام غزة من قبل إسرائيل قد يُحوّل الصراع من صراع إسرائيلي غزّاوي ، إلى صراع إقليمي مفتوح . ومن الواضح ولغاية الآن أن مشاعر الشعوب العربية والتركية والإيرانية وحزب الله هي مع أهالي غزة ، وكلهم يشجبون العمل الإجرامي الصهيوني على غزة ، وينددون بالقصف المتوالي عليها ، الذي يُدمّر ويقتل الأبرياء من نساءٍ و أطفال وكهلة . وهذه الأطراف المذكورة هل ستبقى على حالها تشجب وتقلق وتحتج ، أم سيكون هناك مشاركة فعلية من حكومات هذه الشعوب للوقوف فعلياً مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة . كثيرون يستبعدون أن تكون هناك أي مشاركة من الحكومات العربية التي ستكتفي بالاحتجاج والشجب والمؤازرة الإعلامية الرخيصة . والشيء الوحيد الذي سيتصاعد هو الغضب الجماهيري العربي والدولي ضد جرائم دولة الاحتلال ، وهذا كله هو بمثابة دعمٍ معنوي ليس إلاّ . وبكل جدّية تفكر إسرائيل بمخاطر قد تخترقها إن كانت عبر البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط أو عبر لبنان وسورية ومصر والاردن والعراق ، ومن خلفهم أيضاً روسيا وإيران والصين ، صحيح هذه الجبهات صامتة الآن ، ولكن لا أحد يمكنه التخمين ماذا سيحدث لو تطورت الأمور سريعاً نحو الأسوأ وخرجت عن السيطرة . لحرب المدن أبجديات عسكرية خاصة بها ، وليست كل الجيوش قادرة على سلوك هكذا درب ، المليء بالمفاجآت و بالكتل الانتحارية ، و بالقنص المفاجىء ، فهذه الحرب ستضع الجيش الاسرائيلي على مفترق طرق ، وأمام إمتحانٍ صعب ، لأنها ستكون حرباً قاسية ، يجب أن يتم تناولها بكل حذر ، وقطعاً ستكون أشد عنفاً من المحاولتين السابقتين من قبل إسرائيل ، الأولى عام 2009 واستمرت 15 يوماً ، والثانية عام 2014 واستغرقت 35 يوماً .فبكلِ لهجات العالم إن حرب المدن قولاً واحداً تتّسم بالفوضى و بالفلتان الأمني ، وعدم دقة الحسابات والمجريات والنتائج . كلٌّ منّا يروم إلى الأمن والسلام ، وبكل تأكيد لو تمّ تنفيذ قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي نصّت على حل القضية الفلسطينية من خلال قرار حل الدولتين ، ذات سيادة على الأرض لأنتهت الأمور واستقرت منذ ذلك الوقت ، واستقامت الأمور في الميدان . لكن تجاهل وتعنت إسرائيل لهذه القرارات وإصرارها على الاستمرار بسياستها التوسعية والقمعية ، خلق وسيخلق باستمرار تنظيمات مسلحة تقاوم الاحتلال وتناضل من أجل تحرير ترابها من المحتل ، والعيش بسلام ، وهذا قطعاً مطلب محق لشعبٍ يعاني من الإحتلال . ولقد علّمنا التاريخ أن الإحتلال من المستحيل أن يستمر ، وأن النصر دوماً لإرادةِ الشعوب .

 

اترك رد