في مسرحِ الرؤيا ____ميرفت أبوحمزة

منبر العراق الحر:
أقف أمام مرآتي
أرى طفلة تنفخُ أنفاسها على البلّورِ ، غيمة
وترسمُني صبية ..!
الصبية تغدو قطرات وتسيلُ كسولة
كعجوز أخذها رهاب العمر ..
فراحت السنين تتعرق بينَ جدائِلها
وتفرُّ هاربةً كسنونوات ..
لتعود غيمة دائخة في سماءِ اللا نهاية ..!
وجهي سحابٌ ، أنت سماء
يدنو ، تعلو .. يبعد ، تدنو
من يعرف ريحاً ترفعه ؟!
من يعرف ريحاً تسحبه ؟!
علّهُ يتهاطل حبراً ..
أو لوناً غجرياً حراً يسبحُ صوبهُ ويضيع ..يضيع
كما تضيعُ أنفاسنا في كلِّ الأمداء …
سأراني في عينيكَ الآنَ حروفاً ، لو تعرفني ..!
أو بعد الآن .. سأنتظرُ
فالعمر معي من أولهِ حتى آخره ..
وها أنا الآن أرنو نحوكَ كما ترنو في الوسن الرمضاء ..
سأراني كلاماً أو ألغازاً في غبشِ الرؤيا
أو بعض نجوم تتلألأ
تومضُ
تمضي
تفيضُ وتفضي
إلى أي شيءٍ غير هذا الهباء ..
تتلألأ .. تترقرقُ ، وكأنَّها من ماءِ مجرة ..
ماء مأخوذ بطبيعة غابة ، تنداحُ فيها القصائد
كما تنداح الريح على الشَّجر ..
زقزقة وخرير وبكاء ..
آه ..آه ..
بعض الكلام يا وجعي الصامت أبدا
تأخذهُ المراثي وبعضهُ يُنشدُ في صمتٍ قاتلٍ ، لا يُقال .. !
في خريفِ العمرِ ، أنتَ في كتابٍ والنظرُ شحيح ..
أقرؤكَ ، تأخذني إليكَ الكلمات نحو الصفوة
فأراكَ وامرأةً من شبقٍ أزلي ، تموجُ بكَ على شاطئِ الفكرة ..
تفكُّ أزرارَ رملِ الرقادِ وتنهضُ بكلِّ جمالِها من وثنِ الذكرى ..!
وأراكَ هناكَ تتبدّى ، تختالُ ، وفجأةً تتندى ..
على أخاديدِ وردٍ حائرٍ في تصريفِ أريجهِ ..!
تتهادى ..
تتعجّلُ ..
تتململُ ..
تسقطُ ..
أ
س
ق
ط
من جسدي ..
كظلالٍ واهيةٍ فوقَ أرضِ الإستعارة ..
وأراكَ تسبحُ في الهواءِ الطلقِ ، تائهاً في دربِ المجازِ
تبحثُ في الزحمةِ عنها .. عن بنتٍ فتَنْتها العربية ..
وقفت بين حشودِ السَّردِ بغتةً بكلِّ مفاتن اللغة ..
فانحنت أمامَ جلالِ ألفها الياء ..
بنتٌ تختزل ذخائر التأويل كلّها في كلمةٍ .. لو تُقال !
فتنصاعُ لنبرتِها كما تنصاعُ غيمةٌ رهيفةٌ للهواء ..
وأراكَ رجلاً من أثيرٍ غائرٍ في الصمتِ
كيما تحط رحالكَ خفيفاً ..خفيفاً في مسرحِ الرّؤيا
صاعداً فوقَ أدراجِ التجلي ، كوكباً ..
عائداً من صدى الأساطيرِ وأنينِها.. إلهً
وأراكَ صبياً عابثاً فوق صهوة الصَّبوة .. كنبوءةٍ !
تصبُّ سُمرتك وقاراً في كأسِ الصباحِ
وتنقلهُ من ريبتهِ ، نحو بهاء الرمز والإيحاء ..
أقف أمام مرآتي
تخونُني الرؤيا من غبشِ رؤاي
أمسحُها يظهرُ وجهكَ فأرى وجهي
حين وجهكَ مرآتي من أزلٍ .. قلتُ: سأعرفني !
ضيّعني كما أضاعَ العمرَ .. وضاع
قلتُ : آتيك وطناً ، فالأوطان في هذا الشرق تتبدل ..!
وطناً أدفن فيهِ وأحيا فيهِ .. أدفنُ ..أحيا
وإذ بكَ التيه
الذي
ألبسني
تيهاً ……. بثوبِ الإنتماءِ …
___________________________
ميرفت أبوحمزة
من ديوان *كنتُ أرى*

اترك رد