الحرية وحقوق الإنسان من أولويات العمل الوطني … الكاتب الإعلامي : الدكتور أنور ساطع أصفري

منبر العراق الحر :

قال فولتير ( إيهٍ أيتها الحرية ، كم من الجرائم تُرتكب بإسمك . ) .
فالحرية وحقوق الإنسان مطلباً أساسياً للعمل الوطني والسياسي ، ولكن هكذا واقع لا ينمو إلاّ في مجتمعٍ سليمٍ ومُعافى .
أمّا المجتمع المريض المُشوّه فلا تنفع معه الحرية وسواها ، حيث لا بُدّ من إخضاع هذا المجتمع للعناية المُشددة لإستئصال بؤر الفساد والإنحراف الشرير ، لعلّه يصحو ، ويتعافى مما هو فيه .
إن المفهوم المُتعارف عليه للعمل السياسي أنّه فن الممكن ، والسعي العملي لتجسيد الأهداف من خلال واقعٍ مليءٍ بالتحديات .
ولكن السياسة هي فن إبتكار البدائل والخيارات المتعددة إذا أُمكن أيضاً .
لكن وقولاً واحداً إن العمل السياسي ليس خطاباً ولا تمنيات حالمة ، وليس عملاً بلا روح أو أرضيّة ، خاصّة إذا كان القائمون عليه ملتزمون بالتمسك بوشاحٍ أخلاقي إنساني نبيل .
وبشكلٍ عام وأساسي إن من يُحدد أولويات العمل الوطني هو الشارع الجماهيري في أي وطنٍ كان ، وهنا تكمن أو تتبدّى الحقائق في مدى تلبية مطالب من أوصلَ هذا الكادر أو سواه إلى السلطة ، أو أنهم يتنكّرون له ولمطالبه .
أولويات العمل الوطني والسياسي تخضع إلى مفهوم المصداقية ، والأفضلية في التعبير عن تطلعات الناس لما هو أفضل .
وأول ما يخطر ببالنا ونحن نتحدث عن أولويات العمل السياسي ، هو الفساد ” الذي يعود تاريخه إلى سنواتٍ طوال ” والذي إستشرى في كل فصائل دول المنطقة ومجتمعاتها ، حيث لم يعد الفساد حالة فردية ، بل أصبح ظاهرة ، واستشرى في مفاصل الدولة ، مثل التربية والقضاء والصحة والدين والإعلام والثقافة ، بحيث أصبح الفساد منهجاً يومياً شائعاً وملازماً لحياة الإنسان المواطن ، كما أصبح ملازماً للخطاب الديني عند تجّار الدين ، وهذا شيء خطير للمجتمع وللدولة .
وبهذه الحالة لم يعد ولا بأي شكلٍ من الأشكال أن يتم حسم ذاك الفساد في سقفٍ محدودٍ من الإجراءات .
فالفساد بات الظاهرة الأقسى التي تلوّث حياة الإنسان كفرد ، والمجتمع والدولة ، والجميع يعرفون بأن الأمر ليس متعلّقاً فيمن يسرق مبلغاً من المال ، بل إن الأمر أصبح سلوكاً وممارسة عند معظم الناس وكأنه هو الشكل الطبيعي لإستمرار الحياة في المجتمع والدولة .
فالعمل السياسي ليس بحاجةٍ ، أو ليس من مهامه تعريف الناس بواقعهم وويلاتهم التي يحييونها ويُعانون منها ، لكن يجب عليه أن ينقذ المجتمع من الإحباط واليأس الذي يواجهونه في مسيرتهم ، بهدف إنقاذ الإنسان .
كل مواطن يعرف الفاسد ، والمجرم ، لكنه لا يُدرك كيفية الخلاص منهم .
لذلك لا بُدّ من تقوية ودعم كل التيارات الديمقراطية الوطنية النبيلة ، وكسب ثقة المواطن وولائه ، كي يكون سلاحهم الأقوى في مواجهة كل المطبات التي تواجه الإنسان والمجتمع والدولة .
فليس هناك أقوى من الإنسان عندما يتوحّد بفكرٍ وطني نيّر ، وعندما يؤمن بقدراته ويثق بنفسه وبإرادته ، لأنه في هكذا حال سيستطيع أداء الفعل الأقوى والتأثير الأشمل على الآخرين ، فليس أقوى من الشعب فيما إذا وجد قيادة رشيدة وبرنامج عمل صائب .
النيّات وحدها لا تكفي ، القضية تكمن في وسائل الوصول والتواصل مع الجمهور المدني الوطني ، ومع المسيرة الصحيّة والصحيحة . وفي هذه الحالة لا بُدّ من إزالة حاجز إرهاب الناس من الآخر ، أيّاً كان ذلك الآخر ، حيث أن حاجز الخوف والرعب من الآخر يجعل الإنسان أسيراً في حركاته وتصرفاته وبشكلٍ لا إرادي .
كما لا بد من إخراج الناس من حالة الإنقسام الوطني ، أو بشكلٍ أوسع الإقصاء السياسي ، كي يكون المجتمع منفتحاً على نفسه ، ويستطيع من خلال الحيّز الواسع المتاح أمامه أن يختار الأفضل لمجتمعه ولدولته .
إن النضال الوطني محمود ، لكن يجب أن يتم من خلال التحالفات التي تنظر إلى الأمور بكل واقعية ، وتعترف بالميدان وبأولويات الإنسان .
فأمرٌ خطيرٌ جداً حينما يكون الجمهور أضعف ما يكون في مجابهة تيارٍ فاسد ، يستغل جهل بعض الناس وصمتهم لإفتقادهم القيادة الحكيمة والرشيدة ، وبالتالي يواصل الآخرون الإستمرار في مسيرتهم من خلال قبضتهم على مجريات الأمور ، ويستمرون في التنكّر لحقوق الإنسان ومصادرتها .
يقول البعض وهم مستسلمون ” لا يُغيّر الله ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم ” . ونحن نقول ليتصالح كلٌّ منّا مع نفسه وطنياً ، وليمنحها الثقة والإرادة ضد عمليات غسيل الأدمغة والتضليل والتبرير ، بهدف بناء الذات بشكلٍ موضوعي بمنطق العقل العلمي والإنساني والوطني ، وهنا يكمن الرفض المطلق لكل أسباب الجهل وأمراضه ، والظلامية والتخلف .
لا بد من مراجعة الذات الآن قبل الغد ، ولتكن البوصلة الوطنية التي نعتمد عليها موجّهة نحو إصلاح الذات والمحيط والمسار ، فنحن جميعاً وكل إنسان ومواطن يستحق الحياة الحرة والكريمة ، وكل مواطن يرفض البقاء أسيراً للتضليل ، والسير وراء من وضعه في حظيرةٍ جاعلاً منه ومن الآخرين غنائماً التي يستبيح فيها ومنها كل أمر وكل شيء .
فأهم أولويات العمل الوطني هو الإنسان وحقوقه وحريته وكرامته ، والموضوعية ومنطق العقل في أي حوار ، آخذين بعين الإعتبار أن الفساد المستشري في البلاد هو الذي يعيق أي خطوةٍ في المسار السليم القويم لإنقاذ الوطن والإنسان .

 

اترك رد