مر القطار سريعاً ….. فلاح المشعل

منبر العراق الحر :لم تزل صورة القطار المهيبة تقيم بالذاكرة ، صوته الذي يشبه الصراخ وهو ينذر المحطات بالوصول أو المغادرة . مساره الذي يشبه أفعى عملاق يتلوى على سكته بخيلاء .
كان الانتقال الأول لهذا الصبي الصاعد من صيف الناصرية إلى برودة القطار وبياض الشراشف وكأنها المدخل الى البصرة وعوالمها السحرية حينذاك .
في تلك الرحلة كان القطار يحمل ” ماسيرات ” وراهبات من بغداد الى كنائس ومستشفيات البصرة الأنيقة وقتذاك، كنت مبهورا وشيء من الخوف يلامسني، وقتها راودني الأعتقاد أن هذا الجمال الزمردي الذي يجلس في المقاعد لابد أن يكون سرباً من الملائكة هبط من سماء بغداد ليكمل حكايا ألف ليلة وليلة، وهذا القطار الممتلئ بالهدود والخدود الوردية لايحمل سوى الملائكة .
أنت لاتستطيع صعود القطار مرتين ،
مرة يحمل ملائكة وأخرى للبشر الخاكي ،
يأتي القطار الحزين محملا بالجنود الى الجبهة ويعود فارغا،
كانوا معلقين على الأبواب ويجلسون على سطح القطار وبعضهم يفترشه وينام ، وماعلموا أنهم ذاهبون نحو وليمة الغياب الأخير .
القطار بحر من حديد يمتد من البصرة الى بغداد والى الموصل ، ويعاود الرحلة نزولا .
قطار يحمل العرسان من مدن الجنوب الى مدينة شهر العسل بغداد .
قطار يحمل خالد احمد زكي ورفاقة الى المقصلة بعد التوضئ بمياه هور الغموگة .*
وقطار مخصص لمظفر النواب ليكتب حكاية الريل وحمد ، والعمر قطار يمر بخوف في محطات الزمن والهروب والسجن والاختباء، يمر سريعا موزعا بين تلك المحطات وأنت مازلت تغني ، نازل ياقطار الشوك ..نازل هاي ديرتنا .
“يقول الدرويش “سقط القطار عن الخريطة ”
صارت جميع الخرائط تعبأ بقطارات الليل، لم تبق لنا حتى الخريطة وقد ضاع الدليل .
قطار الراحلين يذهب بصمت يردد غنائه الحزين ..
كان القطار يصعد دوماً نحو بغداد، لكن البلاد تنزل نحو العدم .
” مرّ القطارُ سريعاً مرّ بي وأنا مثلَ المحطّةِ لا أدري، أودّعُ أم أستقبلَ الناس “.
* * * * * *
*الابيات بين المزدوجين للشاعر محمود درويش .
*خالد احمد زكي ورفاقه شيوعيون استشهدوا في معركة هور الغموگة بالناصرية وهم يقاتلون السلطة عام 1968.

اترك رد