منبر العراق الحر :
لا أحد يشعر بألم الأحتراق إلا من يحترق ، فأول المحترقين عود الثقاب وآخرهم الذين على الأطراف ، وأكثرهم دخانا الأعواد الملوثة …
لملمَ آخر خيوطٍ للشمس ، أرسلها نحو المغيب ، وقف أمام الدار يراقب خطوات العابرين ، نفخ حوله نصف غيمة من دخانِ لفافة تبغ مسنون ، أما النصف الآخر فكان يعبأه في رئتيه ، تاركا له مشيئةَ رحلةٍ ترفيهية في متاهةِ شرايينه التي تصلبت ، العابرون لا يأبهون لوقفته ، ولا يلتفتون لحركته ، لقد كان يعدُّ انفاسهم وهم يدخلون ويخرجون من خرائب الزمن ، الضمائر لا تصحو إلا بضربة قاضية تهتك ستر الرذيلة ، الرذيلة تمارس من وراء حجاب ، الفضيلة عارية بلا وجه ، الغواية تربعت على عروش الترف وما عادت اللذة تستلذ بمتاع آخر ، ملك هذا الزمان أمر اساطيل الجن لا اساطينها أن تزحف عبر الأثير لكي تنقل له على بساط من ريح ما يجعله يستريح ، ومن ذا يستريح والحياة لا تضمن له حياة وكيف يعتاش على ما يزرع فيها لِما بعد الممات ؟ زراعة ما ترتجيه في الغيب ليس له مغيب ، ولكن من يجيب شروق شمس لا تجد مكانا لها إلا في حواجب وعيون .
ما أن تلفت الى الوراء حتى وجد نفسه في مكان آخر ، فلا الدار التي خرج منها هي تلك الدار ولا ذلك الباب الذي تركه مفتوحا هو ذلك الباب ، لقد اسدل ستار الظلام وما عاد مسرح الحياة يؤسس لحياة ، فكيف يعبر حالما نحو شروق جديد ما لم يلوح له أفق ليس فيه غروب آخر .. !