منبر العراق الحر :
تتوهم الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية أن الملايين التي تزحف كل عام نحو كربلاء في أربعينية الإمام الحسين، جمهورهم الذي يديم وجودهم في السلطة والحكم، ما جعل بعض الأصوات الإعلامية التابعة لهذه الأحزاب، تطالب بتغيير قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، تلبية لرغبة هذه الملايين التي تربو على العشرين مليون وفق آخر تقديرات أعداد الزائرين لهذا العام 2024.
ذلك هو الوهم بعينه الذي يريدون في ظله تمرير أحد أهم وأخطر القوانين التي تستهدف وحدة المجتمع العراقي، والحقيقة الماثلة وفق إحصائيات مدن الوسط والجنوب، فإن المشاركة في الانتخابات الأخيرة لعام 2021، لم تتجاوز المشاركة المدنية أكثر 20% وغالبيتهم جمهور الأحزاب المتسلطة، بينما امتنع نحو 80% من المشاركة في إجراء عقابي لهذه الأحزاب وفسادها المطلق، وعطفاً على أعداد الزائرين لكربلاء، فإن تلك الأعداد تزداد كلما ازداد الظلم الذي تمارسه السلطة بحق الشعب، دون تمييز بالانتساب المذهبي، إذ جعلته تلك الأحزاب منهجاً للطائفية السياسية وفق سياق المحاصصة الطائفية في توزيع الكعكة التي سممت الجسم السياسي لهذه الأحزاب بالفساد.
انتفاضة الشعب في تشرين 2019، كانت الجواب الدقيق المدعم بوعي الشعار الوطني المترفع عن طائفية الأحزاب، وكان الشعار الأبرز “نريد وطن” بعد أن استلبته تلك الأحزاب، ونهبت خيراته وأطلقت العنان للفساد للتغول في جميع مفاصل الدولة والمجتمع.
انتفاضة تشرين انطلقت في بغداد، ثم تصاعدت في الناصرية والنجف وكربلاء والبصرة والحلة والديوانية والسماوة والعمارة وواسط، بمعنى انتفاضة عراقية في مدن العمق الشيعي، جعلت الأحزاب تبتلع لسانها، وتصاب بالخرس إزاء الموج المليوني الهادر بالاحتجاج والرفض، وانتهت بالتسليم إلى إرادة تشرين والتسليم إليها، فسقطت حكومة عادل عبد المهدي بعد جريمة قتل المئات وجرح الآلاف من شباب العراق الذين نزلوا لساحات التحدي عراة إلا من أجسادهم الطرية ودمائهم الزكية الطاهرة التي روّت أرض العراق.
اليوم يريدون تحويل الطائفية السياسية السائدة في منهج السلطة توزيع السلطة والمال بين الأحزاب الطائفية، إلى طائفية اجتماعية من خلال تغيير قانون الأحوال الشخصية 188، واستبداله بمدونات يكتبها فقهاء من الوقفين الشيعي والسّني، لتحقيق عزل أو فصل اجتماعي في قضايا الزواج والترابط الأسري بين العراقيين، أي الزواج وفق المذهب الذي تنتمي إليه، وبهذا يجعلون من الشعب العراقي شعبين الأول شيعياً والآخر سنياً، ولكل منها ضوابط ومحددات في الزواج والطلاق والإرث والحضانة وغيرها من الأحوال الشخصية.
الحجة التي يطلقها جماعة الأحزاب التي تصر على تمرير هذا التغيير في القانون أنهم يمثلون الأغلبية، والحقيقة إن الأغلبية صوتها ضد توجه هذه الأحزاب وفسادها، ولعل نسبة المشاركة بالانتخابات الأخيرة، وانتفاضة تشرين، دليل صريح وعملي لرفض توجهات هذه الأحزاب التي تمثل إرادة ومنافع جماعاتها المنعزلة اجتماعياً عن عموم الشعب.
تمرير هذا القانون يتعارض تماما مع مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، ويلتقي مع مشروع الدولة الإسلامية وحكم الولي الفقيه وبأسلوب انتقائي، وتلك مقتربات مع الفكر الداعشي الساعي لدولة إسلاموية في حكم أحزاب متخلفة يسود في مجتمعاتها التغالب الطائفي.