منبر العراق الحر :
الحرب الباردة هي من الأحداث السياسية التي عصفت بالعالم والتي تزامن مع إنتهائها تشكُّل وجه جديد للعالم والسياسة والإقتصاد وموازين القوى وهو مفهوم أصبح يستخدم لوصف الحالة السياسية والإقتصادية والدبلوماسية والعسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي وحلفائه خلال الفترة الواقعة ما بين 1947م إلى 1991م؛ فبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية برزت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي كقطبي قوى في هذا العالم مما خلق حالة من التنافس بين هاتين القوتين في عدة مجالات مثل المعاهدات العسكرية وتصنيع الأسلحة والتطور التكنولوجي والصناعي، وعلى إثر هذا إنقسم العالم ودوله إلى قسمين وفق الأيدولوجيا الفكرية، قسم شيوعي يقوده الإتحاد السوفييتي ويتمثل في سياسته الإشتراكية، وقسم ليبرالي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويتمثل في سياسته الرأسمالية.
إستمرت العلاقات المتوترة بين كِلا القطبين حتى وفاة ستالين في عام 1953م واستلم حكم الإتحاد السوفيتي من بعده شارل ديغول الذي إنتهج سياسة أكثر إعتدالًا من ستالين كما يرى الغربيين وتزامن مع ذلك بداية تعملق الصين ومنافستها للإتحاد السوفيتي في عام 1960م، ومع الأزمة الكوبية عام 1962م كان الإتحاد السوفيتي قد إجتمعت عليه عدة عوامل دفعته للدخول في مرحلة هدوء مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1970م واستمرت مرحلة الهدوء هذه حتى إنتهت بسقوط الإتحاد السوفيتي عام 1991م وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة وبروزها كقطب واحد.
في التاريخ البشري مجموعة
قليلة من القضايا الكبرى التي لها علاقة مباشرة بالإنسان وحياته وبقائه، ليس أقلها أهمية قضية الحرب والسلام. والنبوءة العامة هي أن التقدم الإنساني في عمومه والتوازن ما بين أدوات الحرب والسلام قد خلق ظرفاً يقف أمام ظاهرة الحرب، ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تحدث حرب عالمية أخرى.
وقف السلاح النووي مانعاً أمام الحرب واكتفت القوى العظمى بالحرب الباردة؛ وحتى هذه وصلت إلى طريق مسدود عندما انهار سور برلين عام 1989، وبعدها بدا أن «العولمة» هي طريق العالم إلى سلام دائم.
إن الحروب الإقليمية التي جرت بين الصين والهند وبين الهند وباكستان لم تتكرر مرة أخرى رغم إلتهاب المواقف أحياناً، والحروب العربية الإسرائيلية التي تكررت أربع مرات اختُصرت إلى حروب صغيرة في لبنان وغزة؛ لم يكن معنى ذلك نهاية للعنف وإستخدام السلاح في العلاقات الدولية، فقد جرت حروب ضد الإرهاب، وجرت تدخلات عسكرية في أكثر من بلد عربي، وكانت هناك حوادث للغزو في أفغانستان والعراق إستمرت لعقود، وغلبت الحروب الأهلية حروب الدول. كان هناك كثير من العنف، ولكنه كان هناك كثير أيضاً من تفادي العنف، بل حتى محاولات لصنع السلام كما جرى بين العرب وإسرائيل، وإذا غاب هذا وذاك كانت هناك حالة من التوازن التي تمنع اللجوء إلى السلاح، لأن هناك ما يكفي من الخوف والردع وربما الطمع في حياة مزدهرة. كانت هناك لحظات حرجة عندما إمتدت حدود حلف الأطلنطي إلى الحدود الروسية؛ وكانت هناك لحظات أكثر حرجاً عندما تدخلت روسيا في جورجيا وضمّت القرم؛ وراحت جيوشها تغازل الحدود الأوكرانية. ورغم هذه اللحظات فإن العالم عرف كيف يتعايش معها وتركها لتوازنات القوى المحلية للتعامل معها والحد من خطورتها.
تعد الحرب الباردة “الموت البطيء” للدول المتحاربة والأقاليم المتناحرة ، فالحرب الباردة التي دارت بين العراق و دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب الخليج الأولى إستمرت ما يقارب 14 عاما ، بحصار قاتل منع الغذاء والدواء وقضى على التعليم والصحة والقوات المسلحة من ممارسة دورها في إعادة هيكلتها وتسليح نفسها. مما أسفر عن سقوط بغداد وإحتلال العراق، و إعدام الرئيس الشهيد صدام حسين ورفاقه.
إضافة لذلك فقد أشعلت الحرب الباردة بين لبنان ممثلة بحزب الله ، والعدو الصهيوني القذر، منذ أكثر من 20 عاما ، نزاعا إتخذ صفة المد والجزر ، إنتهت بحرب البيجر التي أدت للقضاء على أكثر من 4000 من حزب الله ومقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله و مجموعة من رفاقه ، والقضاء على أكثر من عشرين قائدا من جماعة الرضوان خلال إجتماع لهم في الضاحية الجنوبية ببيروت.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللغويات العربية المقارنة والتخطيط اللغوي.