قصة يوسف الابن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الجلبي

منبر العراق الحر :

الكثير من الكتب تناولت قصة النبي يوسف , شعراً وسرداً ونثراً , ولكن ضمن إطار السيرة الدينية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم , من ناحية الموعظة والحكمة والتفسير , ولكن نجد في الديوان الشعري ( يوسفيات ) شيء مختلف خلاق في ابتكاراته , ان تتحول القصة الى ملحمة فلسفية في أثرها العميق , في المعنى والمغزى والرمز , في أبعادها الفكرية التي تستلهم الحاضر , أي في الدلالة التعبيرية جر الماضي الى الحاضر , في رحلة استكشافية واستقرائية في إعادة صياغة, بالتشكيل الفكري , وتسليط الضوء على الفراغات التي ملأت الحياة والوجود , حيث كثرت الندوب والزعانف والعلل , وأصبح الوجود الراهن يمثل كل أبعاد محنة يوسف الإبن والنبي في الصراعات القائمة , والمتناقضات المتناثرة هنا وهناك , قصة يوسف معضلة ( يوسف في الجب ) ( يوسف خارج الجب ) هي نفس معضلة الحياة في الجب , ربما أكثر ضراوة وشراسة , تكون احياناً بطرق سلمية , وتارة بالطرق العنف والغدر والخيانة , وأصبح يوسف النبي وظله زليخة , ويوسف الإبن وامتداداته عنوان الحاضر والوجود . معنى ودلالة ورمزاً , ومحاولة الارتقاء على الجروح , التشبث بالحب الصوفي في آفاقه الواسعة , الارتقاء إلى عشق الحقيقة والنور , لعل طرد الظلام والزيف , انها امتحان عسير في جوانب الصراعات التي أخذت شكل أرجل الاخطبوط في المرادفات والمعارضات الكثيرة , نوجز بعضها : العجز والتضحية . الظلام والنور . الجلاد والضحية . البطش والتحدي . الاستسلام والمقاومة , الإخفاق والحب . القبح والجمال . الفقر والتخمة . الخيانة والطيبة . وغيرها من المرادفات التي ابتلى بها يوسف النبي ويوسف الإبن , تتجدد زعانفها في واقعنا الراهن , والتعمق الفلسفي والفكري في الديوان الشعري , وزع هذه ( يوسفيات / عددها 214 ) على عدة محاور , أهمها :
1 -يوسفيات الإبن والنبي
2 – يوسفيات حسينية
3 – يوسفيات واثقية . نسبة إلى الاستاذ الشاعر واثق الجلبي
4 – المرادفات والمعارضات وابجدية الكلمات
فلابد من تسليط الضوء بايجاز على هذه المحاور الأربعة .
×× اليوسفيات :
أن للشعر صنفان ,صنف يناصر الجمال , والاخر يناصر القبح بذلك يضع نفسه في الكفن , لأنه يتجنى على الجمال والحقيقية زوراً وبهتاناً .
قبيحٌ أن ينام الشعرُ في الكفن وأقبحُ منه ما ألقاه في زمني
أيسكتُ شاعرُ الشمسين جللهُ من التضييع ما يزري على اليفنِ
فمنهم من أراح الشعر قاطبة وراح ينام ملء العين في الوسن
ومنهم راقب الأشعار يحسبها خرافة من له عينان كالوثن
ومنهم من يزور النجم ساحته لينظم أجمل الأبيات في المحن
• بين الحقيقة والكذب خيط رفيع من ذهب , ربما يخلط الأشياء بالأسود والأبيض ,وقد يقود هذا التجني على حتفه . يعني تجنى على نفسه .
بين الحقيقة والكذبْ خيط رفيع من ذهبْ
لا تعجبوا من كاذبٍ فالصدقُ باتَ هو العجبْ
من كان يرجو أن يلاقي حتفهُ .. فأنا فعلتُ
أو أن يُغّمِس قلبهُ بندى رماد الذاريات .. فأنا غمستُ
من كان يشطرَ وحيهُ .. فانا شطرتُ
هل منكمُ رجلٌ يذوقُ حروفهُ صلبا بغير المقصلة

———–

التغني بالجمال شيء جميل ولكن هل يصمد امام أفاعي الغدر والخيانة ؟
يا وجه يوسف شبههُ البدرُ هَتكَ اشتياقُ حبيبكَ الصبرُ
قد راع أيامي تآكلها إذ فرّ من أعواميّ العمرُ
منكَ الفؤادُ وفيه أمنيةٌ أن تلتقي بدنانها الخمرُ
أن تجرع الشفتان ما ادّخرتْ فيها وثلجُ شرابها الجمرُ
واسمعْ تباريحي وما كتمتْ تلك العيونُ وماؤها الغمرُ
مِنْ غادرٍ أبقٍ يُباعدنا وحظوظهُ من عودةٍ صفرُ
التيه في الحياة كالقلب المهجور فقد البوصلة , وأصابعه لا تعرف إلا ان تبكي حبراً في ورق , وتنام مرتاحة البال .
كنتوء في قلب مهجور
وأصابع لا تعرف إلا ان تبكي حبراً في ورق
وتنام على زهرة الدفلى
×× اليوسفيات الحسينية :
الإمام الحسين نبراس وعنوان المجد والتضحية والشجاعة والإقدام . أصبح مثالاً ساطعاً لكل شعوب العالم لتحرر من الظلم والفساد , والديوان الشعري ينفرد بهذه المميزات الحسينية ضمن يوسفيات , نقتطف من هذه الشجرة بعض الزهور الحسينية .
× إن الحسين قصيدة عصماءُ فيها من الرفضِ العظيم سماءُ
لاءٌ بألف كتيبةٍ أمويةٍ فاللامُ في حرمِ الحسين إباءُ
صوتٌ يشقُ رماحهم وسيوفهم وكأنه في جمعهم أرزاءُ
من فتيةٍ قاموا بنشرِ جسومهم وعيونهم من بأسهم حمراءُ
إذ يوفضون إلى العلاء دماءهم والمُطعمونَ بروحهم أمراءُ
………………………….
×ما ذنبُ هذا القلب أن يتمزّقا شعراً ومن شوقٍ عليك تدفقا
يا آية بوركتَ خامسَ كوكبٍ رتلتني وحياً وغيرك ما رقا
وكأنني في الطفِ رملُ نقيعةٍ قامتْ لتُنهِض من قطيعٍ مرفقا
ولقيتُ صبحك بالدماء ملونٌ من عاشقٍ لاقى بحبك ما لقى
×× عن أي جرحٍ ناطقٍ أتكلمُ
وهو الذي رمتهُ يتبرمُ
*دعْ عنك إن أحجية الرجوع ملامة فلطالما أغراك ما لا يفهمً
×× يبقى الحسين وتذهب الأسماءُ وكأنه للعالمين دماءً
وكأنما كل العوالم قفرة ودمُ أبن بنت رسولنا أمواءُ
لم يشتكي عطشا ولم يفتك به أحدٌ ولكن ساعة وقضاءُ
×× يوسفيات واثقية نسبة إلى شاعرها الاستاذ واثق الجلبي . يجول ويصول بفكره ورؤيته الهادفة والرزينة , في مختلف مناحي الحياة والوجود في براعة متناهية في تناسق البلاغة في اللغة والرؤية الفلسفية الناضجة . نقتطف بعض أزهارها .
أدمنتَ موتكْ
وقتلتَ بعد بكائه المدفون .. صوتكْ
وحملتَ نجم الشمع
حتى في وسادتك التي حرّقتها
ونسيتها ونسيت بيتك
خُذها كمعتصر الغمام ..
واحمل بقاياك الرتيبة
وارسم غبار الكون في أمسٍ .. حقيبة
خُذ من عصيفِ الصبر بعضا من شِفاه
×× لا الرأس يهدأ قل لي كيف أسكتهُ والقلبُ ينبضُ بين النارِ والخشبِ

– أفرِغْ حياتك من الشخصيات الزائدة ومن الوجوه التافهة فحياتك ليست كيسَ قمامة
– ليس في وجهك موقعٌ لكدماتٍ لا تنته يعِشْ بلا شك

4 – المرادفات والمعارضات وابجدية المفردات
في المصنفات يوزعها بشكل جميل وشفاف , كأن الشاعر يقدم لنا أبجدية شعرية متكاملة في أجناسها اللغوية وعمقها التعبيري البليغ في دلالته , واختار هذه المعارضة الجميلة . بين هو وهي :
×× هو:
لكِ ما للرياحينِ أيا سيدة التينِ
فيا ويلي من الدهرِ وقد ضيعتُ عشريني
تعالي وانعشي قلبا من الأحجار والطينِ
وصُبي فوقهُ غيماً كما الإعصار واسقيني
أيا ملساءُ فأرويني برفقِ الحبِ واللينِ
أماتَ الدهرُ أيامي وقد عادتْ لتُحييني
هي :
أيا معنايَ في النونِ وطيبَ الأمرِ في الشينِ
أيا من قلبهُ حولي يذوقُ خمرَ ماردينِ
وتلك النقطة العميا على سري ومكنوني
نقلنا أمسنا حتى تلاقتْ أعينُ الجونِ
أغطي منك آلاما كما أنت تغطيني
سمعتُ القلبَ وافاهُ نزيلُ الشوقِ في الحينِ
الديوان الشعري يستحق القراءة والمتابعة , لأنه يختلف عن المألوف والتقليدي , انه ابتكار خلاق في المنصات الشعرية لغة وبلاغة وفي العمق الفلسفي الدال بشكل عميق وبليغ .


 
    Χωρίς τίτλο.jpeg
 

  جمعة عبدالله

اترك رد