منبر العراق الحر :أسهم دونالد رامسفيلد على رأس البنتاغون في إشعال حربين مدمرتين فاشلتين في أفغانستان والعراق ولم يحاسبه أحد. استقال في 8 نوفمبر 2006 وتفرغ لكتابة سيرته كما لو أن شيئا لم يكن.
لم يستقل رامسفيلد من منصبه وزيرا للدفاع الأمريكي جينها في عهد جورج بوش الابن لمسؤوليته المباشرة عن تلفيق التهم الكاذبة والذرائع لغزو العراق وتدميره وما جر عنه من مقتل أعداد هائلة من المدنيين في البلدين وما جرى خلال ذلك من تعذيب وحشي في السجون الأمريكيين في العراق. المضحك المبكي أنه استقال لسبب انتخابي داخلي تمثل في هزيمة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس.
كان الكثيرون بما في ذلك في الولايات المتحدة يودون رؤيته على الأقل في قفص الاتهام، إلا أن رامسفيلد الذي سجل سابقة بتوليه وزارة الدفاع لمرتين بفاصل زمني كبير، خرج بهدوء ليقضي فيما بعد 15 عاما يتحدث للصحفيين ويلقي المحاضرات ويكتب التاريخ الدموي الذي صنعه بطريقته الخاصة إلى أن توفي بمرض خبيث عن عمر ناهز 88 عاما في 29 يونيو 2021.
الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لم يكن وقتها راغبا في استقالة رامسفيلد، وأكد في نوفمبر 2006 عدم وجود شخص آخر جدير باستبدال رامسفيلد!
دونالد رامسفيلد زاول العديد من المهن. كان ضابطا في البحرية وسفيرا وموظفا مدنيا وعضوا في كونغرس ورجال أعمال، لكن قلة يعرفون أنه كان شاعرا أيضا. رامسفيلد، كما تبين من شهود عيان، كان يحب قراءة أشعاره خلال الإحاطات الرسمية، وغالبا ما جرى ذلك حين تستعصي عليه الإجابة على الأسئلة المحرجة بشكل مباشر.
يقول خبراء إن رامسفيلد حين أصبح وزيرا للدفاع في عام 2001 في عهد جورج بوش الابن، أصبح واحدا من أكثر وزراء الدفاع الأمريكيين نفوذا على مدى العقود القريبة التي سبقته. كان ينتمي إلى معسكر “الصقور”، وأصبحت هجمات 11 سبتمبر 2001 بالنسبة إليه بمثابة هدية وفرصة لا تعوض لإطلاق الآلة العسكرية الجهنمية الأمريكية ضد الخصوم.
وقتها، أعطى رامسفيلد الأوامر بالبحث عن صلة بين هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وصدام حسين. تطرق الرجل في مذكراته إلى هذا الأمر على النحو التالي: “لقد كتب الكثير عن أن إدارة بوش ركزت اهتمامها على العراق بعد 11 سبتمبر. وجد المعلقون أنه من الغريب والمتحيز وبلا داع أن يستكشف الرئيس ومستشاروه ما إذا كان صدام حسين وراء هذه الهجمات. لم أفهم أبدا هذا الجدل. لم يكن لدي أي فكرة عما إذا كان العراق متورطا أم لا، لكن سيكون من غير المسؤول ألا تطرح أي إدارة مثل هذا السؤال”.
الجميع يعرف الآن على وجه اليقين أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن كان لديها معلومات تفيد بأن العراق لم يشارك في الهجوم الأمريكي. ومع ذلك، تم اختلاق سبب عمد للغزو. في عام 2003، وفيما كانت الولايات المتحدة تواصل حربها في أفغانستان، فتحت الجحيم على العراق.
راهن وزير الدفاع الأمريكي على حرب خاطفة سهلة في العراق. في البداية بدا أن الخطة ستتحقق بالفعل. بدأ الغزو في 20 مارس 2003 ، وفي 1 مايو، أعلن جورج بوش الابن من ظهر حاملة الطائرات أبراهام لنكولن، قائلا: “لقد سقط الطاغية، العراق حر”!
مع ذلك، واجه الأمريكيون مقاومة عنيفة لاحقا وحرب عصابات واسعة النطاق، وهي لم تتوقف حتى بعد اعتقال صدام حسين وإعدامه. غزو العراق صاحبه تدمير الآثار القديمة الفردية ونهب المتاحف والفوضى العارمة. لم يقف الجيش الأمريكي ساكنا أمام ما يجري فقط، بل أسهم في تدمير البنية التحتية لهذا البلد المنكوب.
رامسفيلد فسر كل ذلك الخراب والفوضى والمآسي كما لو أنه أمر طبيعي قائلا: “في كل مرة يحدث فيها تغيير للنظام، فإن الفترة الانتقالية ليست مثالية. هذا أمر لا مفر منه، وقد أثبته التاريخ وحدث كذلك دائما”.
منطق رامسفيلد هذا يعني أن تعذيب السجناء العراقيين من قبل العسكريين الأمريكية بتلك الوحشية أمر حتمي. أنباء تعذيب أسرى سجن أبو غريب بعد ان انكشفت انتشرت في جميع أنحاء العالم. نشطاء حقوق الإنسان أكدوا بشكل مباشر أن التعذيب أقره رامسفيلد كوسيلة للحصول على معلومات استخباراتية. رامسفيلد كان سمح باستخدام أساليب استجواب قاسية للسجناء في القاعدة الأمريكية في خليج جوانتانامو.
هذا التململ وصل إلى جنرالات أمريكيين رفيعي المستوى. على سبيل المثال طالب أوائل عام 2006 ثمانية جنرالات متقاعدين وضباط رفيعين في البحرية رامسفيلد بالتنحي عن منصبه. هؤلاء اتهموا رامسفيلد بالفشل التام في التخطيط العسكري، وقالوا إن نهجه الاستراتيجي دفع بالولايات المتحدة إلى طريق مسدود. طويت كل تلك الجرائم ولم يحاسب أحد. يحدث مثل هذا الأمر ويتكرر في الولايات المتحدة فقط.
المصدر: RT