شهرزاد وحكاياتها …..نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
أيام طفولة القراءة عرفتنا حكايات الف ليلة وليلة قبل أن نعرفها ، فلقد اتينا الى الحياة وهي قبلنا منضودة على رفوف بيوت صنعها دهشة الجدة وكفاح الاب وحنان الأم.
تلك البيوت توارثت الليالي الالف في رغبة لتبقي الامل قائما في مغادرة الحال الفقير والحزين ولتبقى تنتظر من الحكايات ما تحققه لأحلامنا.
القصور، الجواري واشرعة سندباد يذهب بنا الى الامكنة الابعد. ولكن كل هذا لم يتم. بقيت تلك الحكايات كما سراب ينعشنا بما نعتقد انه لن يتحقق ولم تتعدى شهرزاد بحكايتها سوى متعة للخيال وبعضهم افاد من هذا الخيال ليطور الموهبة لديه وليحسن صنع اخيلة القصيدة والخاطرة والقصة ورسالة الحب.
الآن في ظل عولمة وفضائيات وحروب تتقن اكتساح المدن واحتلالها. وفي ظل سينما الاكشن والالعاب الفديوية ورسائل الهوتميل وصداقات الفيس البوك اختفت متعة ما كنا ننتظره مع ضياء الفوانيس في دفء الشتاء القديم لنقيم ودا مع شهرزاد وهي تحكي للملك كاره النساء خُدع دليلة والزئبق وجولات الرشيد المتنكرة في ليل بغداد مع جعفر البرمكي .
وكان هذا الود يشبه العشق وكنا ننتظره كما مواعيد الاكل والواجبات المدرسية لنغادر بؤسنا وحزننا ونقائض ما نراه ونعيشه في المقارنة بين بيوتنا الفقيرة والبيوت التي يسكنها التجار وموظفي الدولة وأناس أنعم الله عليهم، وربما مثلنا يطالعون حكايات شهرزاد لكن الفرق بيننا وبينهم انهم يقرؤونها للتسلية ونحن نقرأها لنتقمصها.
هم يقرؤونها تحت ضوء النيونات والمصابيح الملونة ونحن نقرأها على ضوء الفوانيس وقناني الفتائل.
هم يقرؤونها وهم يتدثرون بالبطانيات الفرو ونحن نقرأها مدثرين بلحف القطن التي يعود زمنها الى أول حياتهم الزوجية ، تلك اللحف الممتلئة برائحة المكان ورطوبته و(شخاخ) الطفولة، هي من بعض محفزات تخيل الصورة الشهرزادية بإيحائيتها وصورها الاباحية او تلك التي يصنعها مارد القمقم وبساط علاء الدين وأجساد المرمر التي تحملها الجواري السُلافيات والروميات والفارسيات والتركيات في بلاط الخليفة والولاة.
لم اعد اسمع كثيرا عن حكايات الف ليلة وليلة، ولم تعد الاجيال الجديدة تتناقلها كما كنا نفعل عندما كان هو الكتاب الاول في الاستعارات المكتبية حيث لم يسمح في أيامنا للصبيان استعارتها لأن فيها من الحكايات من تدفع ذكورتنا الى الامام وتنضج مبكرة ولهذا نتوسل الى من هو اكبرمنا ليستعيره لنا ولنغوص في لهفته ودهشته وتلك العوالم الفنتازية التي ظلت والى الف حلم تصنع العجائب والغرائب وتخيل ما تخبئه الاناث الجميلات خلف نظرات الخليفة الثملة وهو يتمتع بدسائسهن واغرائهن وهن يصبن له الخمرة والزنجبيل في كؤوس من الذهب.
اختفت الحكايات وأطفالنا اليوم في سن العاشرة يحترفون الاشتغال على جهاز الحاسوب ويفتشون في الانترنيت عن مواقع العاب الاطفال الالكترونية، والشباب اخذتهم موجات حداثة بليدة بين بنطلون جينز وقصة الشعر واحتراف كآبة الايمو والتمايع مع اغنيات لايعرفون معانيها لمطرب كندي اسمه جاستن بيبر.
والذي لا يحب الانكليزية ينقل ذوقه الموسيقي الى تفاهة ما نراه من اغنيات هابطة تملأ الفضائيات عدا اغنيات الزمن الجميل الذي ظل الكبار يحترفون عشقها والغرق في متعة الذكريات من خلالها.
لم تعد هناك حكايات الف ليلة وليلة. والقراء شحوا كما تشح مياه الأنهر بفعل ظاهرة التصحر وثقب الاوزون ، واغرب ما سمعته وشاهدته قبل ايام في استطلاع تلفازي في واحدة من الكليات الانسانية العراقية عندما سأل مقدم البرنامج طلابها: هل قرأتم قصص الف ليلة وليلة.
أغلبهم قال : لا…!
غير أن احدهم قال: قرأت بعضا منها فوجدتها مملة وتركت قراءتها…!

اترك رد