منبر العراق الحر :
ما جرى في السعودية من مهرجانات و عروض انفتاحية غير متوقعة في بلد طالما تميز بشدة تطبيقه للقوانين و التشريعات الاسلامية ( كما يراها ) و بما سبق هذه المهرجانات و خاصة بقرارات إلغاء أحاديث ” الآحاد ” التي تشكل ربما أكثر من 95 بالمئة من الأحاديث المنسوبة للرسول , و غيره الكثير من القرارات الانفتاحية التي قام بها و بكل جرأة ولي العهد محمد بن سلمان .
كل ما نراه يبدو و كأنه إعلان الطلاق لذلك ” الزواج المقدس ” الذي حدث بين ” الدعوة و الدولة ” و الذي اعلن عنه في” ميثاق الدرعية ” عام 1745م بين محمد بن عبد الوهاب و محمد بن سعود و الذي كان مقدمة لتأسيس الدولة السعودية الأولى .
و بغض النظر عن موقفنا مما يجري في هكذا ظروف تمر بها المنطقة و خاصة شلالات الدم في لبنان و فلسطين بالرغم من ذلك ما يهمنا هنا ما يلي :
ما جرى يثبت مرة جديدة أن الكلمة العليا و اليد العليا هي لرجل السياسة مهما بدا لنا هذا البلد أو ذاك بلداً دينياً او متديناً…و مهما بدا لنا موقع رجل الدين و بدت لنا سطوتهم…إنّ الدين في هذا الشرق لم يكن يوماً هو الذي يسِّير المجتمعات كما نتوهم بل هي السياسة و السياسيين الذين يطوعون كل مقدرات البلاد بما فيها الدين و رجال الدين الى خدمتهم و خدمة مشاريعهم , ليتحول رجال الدين و عبر التاريخ الى رجال السلطان .
و كان نموذج الأزهر في مصر و ما فعله مع الرئيس عبد الناصر و مع خلفه الرئيس السادات نموذجاً آخر تحدثنا عنه مفصلاً و كيف كان الأزهرو رجالاته يفتون لعبد الناصر بشرعية قراراته و كيف أفتى نفس الأزهرو نفس رجالاته للسادات بقرارته التي الغى فيها قرارات عبد الناصر و كلها فتاوي جاهزة و تحت الطلب في خدمة السلطان .
في اطلالتنا التي قدمت فيها ” سلسلة تاريخ الاسلام السياسي ” منذ فتح مكة الى اليوم وصلنا الى ذات النتيجة التي يؤكدها ما يحصل اليوم في السعودية , كيف كان رجل السياسة هو من يطوع رجل الدين و يستثمره في صالحه أي أنه ” تسييس الدين و ليس تديين السياسة ” و من هنا كان اعتراضي الدائم على مقولة ان ( حل مشاكلنا هي بالعلمانية وبفصل الدين عن الدولة ) و طالما كنت اعتبر هذه المقولة عبثية و مضللة لأن ما نريده هو الدولة المدنية التي تعطي كل ذي حق حقه بما فيه رجال الدين و التيارات الدينية..
و بالتالي تخلفنا و عدم تطورنا ليس بسبب الدين و لا رجال الدين , إن الأمر يبدأ و ينتهي عند الأنظمة السياسية صاحبة القرار السياسي و القرار الاقتصادي و القرار الأمني…
………………..د.علي مخلوف