منبر العراق الحر :
على جزيرة صغيرة تتهادى على مياه نهر “فاه” أحد روافد نهر الدانوب، استقبلتني “بيشتاني” السلوفاكية، المعروفة بـ “جزيرة المنتجعات الصحية”. سرعان ما أستقبلني أيضاً المرشد السياحي الذي وقف في باحة البلدة واستهل بصوته الهادىء ونظراته الممتلئة بالشغف حديثه قائلاً: “أهلاً بكم في جوهرة سلوفاكيا الخفية، حيث تمد الطبيعة يدها لتمنحكم الشفاء”.
هذه الموارد الطبيعية تمثل أساس العلاجات التي اشتهرت بها البلدة منذ زمن بعيد، حيث يُستخدم الماء والطين لتخفيف آلام المفاصل، وتحسين الدورة الدموية، واستعادة توازن الجسم وحيويته. كما تطرق المرشد إلى الحديث عن حرارة المياه المعدنية التي تتراوح بين 65 و70 درجة مئوية عند استخراجها، ويتم تبريدها إلى نحوا 27-32 درجة لتناسب الاستخدام العلاجي.
أما الطين الكبريتي، فيُسخن إلى ما بين 38 و42 درجة، ليمنح الجسم دفئاً لطيفاً يساعد في تهدئة الآلام وتجديد الطاقة. بعد جولة قصيرة مع المرشد السياحي، دخلت فندق “ثيرميا بالاس” Thermia Palace المحطة المفضلة لأكثرية القادمين إلى “بيشتاني”.
يعتبر فندق “ثيرميا بالاس” جزء من تاريخ “بيشتاني” العريق، حيث يمتزج العلاج الحديث بالضيافة الراقية. بدخولي منتجع “إيرما” الصحي في الفندق، تأكدت أنه الأكثر تميزاً وأناقة على الأراضي السلوفاكية. يمكنكم في رحابه أستخدام عشرات العلاجات الطبية، أو لربما الاستفادة من عروض الاهتمام بالصحة والاسترخاء مع حمام دافىء في مسبح الطين الفريد من نوعه والمقسم إلى قسمين: واحد للنساء وآخر للرجال.
في هذا القصر المهيب، يمكنكم أن تنعموا بباقة من الخدمات الصحية للذين يعانون من الوزن الزائد، أو من ألم المفاصل، والروماتيزم، وهشاشة العظام. فالعلاجات متوفرة في هذا المكان من خلال التمارين الرياضية، أو باستخدام المياه الحارة أو الطين الكبريتي لتسكين الألم وزيادة الحركة.
كذلك، لا يبخل المنتجع في تقديم العلاجات لمن يعانون من الأمراض الجلدية كالأكزيما والصدفية وحبّ الشباب. إلى جانب ذلك ستنعمون بعلاجات لحل مشاكل جهاز المناعة، والجهاز العصبي، والاضطرابات الهضمية، والمسالك البولية، والأمراض النسائية، والأورام السرطانية.
والجدير ذكره أن هذا الفندق يقدم برنامج الاستشفاء من مرض باركنسون الذي يدمج العلاجات الطبيعية بالمياه المعدنية إلى جانب العلاجات الحسية، ومد الجسم بالمكملات الغذائية التي تهدف إلى دعم صحة الدماغ. وتستند المكملات الغذائية على نظام غذائي موجه لدعم توازن الطاقة في الدماغ، وتقليل الإلتهاب العصبي، وإبطاء التنكس العصبي، وهي عوامل حاسمة في إدارة مرض باركنسون في مراحله المبكرة.
تم تطوير هذا البرنامج بالتعاون مع مؤسسات رائدة في هذا المجال، مثل جامعة “كومينيوس” في العاصمة براتسيلافا، وكلية “يسينيوس” للطب في شمال البلاد، وكذلك مع الجمعية السلوفاكية لمرض باركنسون ليحظى كل مريض بخطة علاج فردية وفقاً لوضعه الصحي. وعلمت من الطاقم الطبي في الفندق، أن الفترة الزمنية التي ينصح بها للحصول على أفضل النتائج لمرضى الباركنسون تتراوح من 16 إلى 21 يوماً.
لا تغيب الخدمات الجيدة عن فندق “إيسبلاناد” الذي يتميز بأنه أكبر فنادق أوروبا التي تعنى بتقديم خدمة التعافي بواسطة المياه المعدنية. داخل منتجع “بالنيا” الصحي الذي جُدد بالكامل عام 2014، تقدم أفضل الأساليب العلاجية والخدمات الطبية المتخصصة في علاج الروماتيزم، والإضطرابات العضلية الهيكلية التي تؤثر على العضلات، والمفاصل، والأوتار، والأربطة، والأعصاب. فالفريق الطبي سيساعدكم حتماً على تخطي تلك المشاكل الصحية وسيأتيكم بالنتائج المرجوة.
أكثر من يومين أمضيتهما في ضيافة “بيشتاني”، تلك البلدة السلوفاكية الوديعة التي أدرك أهلها منذ القدم قيمة كنوزهم الطبيعية واستثمروها ببراعة في تطوير العلاج الطبيعي. بفضل مياهها المعدنية الفريدة وطينها الكبريتي الشهير، أصبحت “بيشتاني” وجهة عالمية تجمع بين الراحة والاستشفاء، وجذبت آلاف الزوار سنوياً، من بينهم أكثر من 20 ألف زائر من دول الخليج العربي. وهذا العدد في تزايد مستمر نظراً للمنافع الطبية التي تقدم للمرضى والسياح. ليست زيارة هذه البلدة السلوفاكية مجرد رحلة سياحية عابرة، بل إنها تجربة متكاملة تُنعش الجسد وتُشبع الروح، تاركة في القلب ذكرى طيبة لا تُنسى.
جان-بيار حبيب
المصدر: النهار