منبر العراق الحر :
في عالم السياسة والاقتصاد، تُبنى التحالفات على المصالح المشتركة أكثر من التوافقات الأيديولوجية. من هذا المنطلق، جاء التحالف غير المتوقع بين الملياردير التكنولوجي إيلون ماسك والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في خطوة أثارت تساؤلات حول دوافعها وتداعياتها.
فعلى الرغم من تاريخ من التوتر والانتقادات المتبادلة بين الطرفين، حيث سبق لماسك أن سخر من ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما لم يُخفِ ترامب امتعاضه من ماسك، كما شهد المشهد السياسي الأمريكي تحولاً دراماتيكياً عندما أعلن ماسك في سبتمبر 2024 دعمه الكامل لحملة ترامب، وظهر بجانبه في تجمع انتخابي في بنسلفانيا، مما شكل نقطة تحول استراتيجية في العلاقة بين السلطة السياسية والقطاع التكنولوجي.
لم يقتصر التحالف على سياسات اقتصادية فحسب، بل امتد ليشمل أبعاداً أيديولوجية أيضاً. فكلا الرجلين يؤمنان بضرورة تحرير السوق من التدخل الحكومي المفرط، ويشتركان في رؤية عالمية تدعو إلى هيمنة أمريكية جديدة في الفضاء والتكنولوجيا.
كان ماسك قد أعرب مراراً عن رغبته في استعمار المريخ، وترامب بدوره كان يؤكد على أهمية تعزيز الدور الأمريكي في استكشاف الفضاء، وهو ما تجسد في إعادة هيكلة وكالة “ناسا” وإطلاق استثمارات ضخمة في قطاع الفضاء الخاص.
لكن العلاقة بين الرجلين لم تخلُ من التعقيدات. فبينما يمتلك ماسك شخصية مستقلة ويعرف بآرائه الصريحة، لم يكن دائماً على وفاق تام مع توجهات ترامب، خاصة فيما يتعلق بسياسات الهجرة والتغير المناخي. إلا أن المصالح الاستراتيجية غلبت في النهاية، حيث أدرك الطرفان أن تعاونهما يخدم أجنداتهما الخاصة.
فبالنسبة لترامب، كان وجود ماسك في إدارته يمنحه دعماً من نخبة وادي السيليكون التي طالما كانت متحفظة تجاه سياساته، بينما حصل ماسك على نفوذ غير مسبوق داخل الحكومة، ما مكنه من دفع مشاريعه الطموحة دون قيود.
البعد السياسي: دور ماسك في فوز ترامب
قدّم ماسك دعماً مالياً ضخماً لحملة ترامب، وصل إلى 239 مليون دولار، وفقاً للجنة الانتخابات الفيدرالية. هذا الدعم كان عنصراً حاسماً في تمكين ترامب من تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة. لعب ماسك دوراً رئيسياً في تحسين صورة ترامب لدى فئة الشباب، ما ساعد الأخير على تحقيق مكاسب انتخابية غير مسبوقة.
وذلك من خلال استغلال منصته X لدعم ترامب، سواء عبر الترويج لنظريات المؤامرة أو عبر التلاعب بالخوارزميات لتعزيز الدعاية لصالحه. هذه الاستراتيجية جعلت وسائل الإعلام التقليدية تفقد جزءاً كبيراً من سيطرتها على الرأي العام . آذن هناك سؤال ربما يطرحه البعض لماذا تحالف ماسك مع ترامب؟ يهدف ماسك الى مكاسب متعددة منها:
1- المكاسب الاقتصادية الهائلة
مع فوز ترامب في الانتخابات، شهدت أسهم شركة تسلا قفزة غير مسبوقة، حيث تضاعفت قيمتها، مما زاد من ثروة ماسك بمقدار 26 مليار دولار في يوم واحد. هذه الطفرة الاقتصادية تؤكد أن تحالف ماسك مع ترامب لم يكن مجرد دعم سياسي، بل استثمار اقتصادي بحت.
2- مشروع ” ستارغيت “: استثمار في المستقبل
أحد أبرز المحفزات لهذا التحالف هو تعهد ترامب بإطلاق مشروع “ستارغيت”، وهو برنامج حكومي عملاق بقيمة 500 مليار دولار، يستهدف تطوير البنية التحتية التكنولوجية والذكاء الاصطناعي. باعتبار ماسك رائداً في هذه المجالات، فإن شركاته مثل سبيس إكس، تسلا، ونيورالينك ستكون المستفيد الأكبر من هذه الاستثمارات.
3- دعم حكومي للمشاريع الطموحة
ماسك يسعى لتوسيع نفوذه في مجالات مثل السيارات ذاتية القيادة (روبو تاكسيز) وزراعة الشرائح الإلكترونية في الدماغ عبر شركته نيورالينك. هذه المشروعات تتطلب دعماً حكومياً هائلاً، وهو ما يمكن أن يضمنه تحالفه مع ترامب.
4- تعزيز الدور الأمريكي في السباق التكنولوجي
في ظل التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والصين في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن وجود ماسك داخل الإدارة الأمريكية يمكن أن يساهم في تسريع المشاريع التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك تطوير شبكات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية.
تعيين ماسك على رأس لجنة الكفاءة الحكومية منحه نفوذاً هائلاً في القرارات المتعلقة بالإنفاق الفيدرالي. ماسك تعهد بخفض 2 تريليون دولار من الميزانية، مما يمنحه سلطة إعادة توجيه التمويل نحو مشروعاته الخاصة.
وعبر هذه اللجنة، أصبح لماسك تأثير مباشر على قرارات الحكومة، مما يجعله بمثابة “حاكم من خلف الستار”، شبيهاً بدور الأوليغارشية في روسيا، حيث يندمج رجال الأعمال الكبار مع السلطة السياسية.
تحالف ماسك مع ترامب يمنحه فرصة لتوسيع نفوذه على المشاريع الحكومية والعسكرية، خاصة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي، مما يرسخ احتكاره لهذه القطاعات. ومن المتوقع أن يعمل على رقمنة المؤسسات الحكومية وتطبيق نماذج أكثر كفاءة في الإدارة, مما يهدد الآف الفرص لموظفي القطاع الحكومي.
ويمكن لماسك استخدام نفوذه داخل الإدارة لتخفيف القوانين التي قد تعيق أعماله، سواء فيما يتعلق بحقوق العمال أو مكافحة الاحتكار، مما يعزز من هيمنته الاقتصادية.
من خلال نفوذه داخل الإدارة، قد يضمن ماسك الحماية لشركاته من أي تحقيقات قضائية مستقبلية، عبر التأثير على تمويل الوكالات الفيدرالية التي تجري هذه التحقيقات.
رغم الفرص الواعدة، إلا أن هذا التحالف يواجه عدداً من التحديات، أبرزها:
1. التصادم مع الكونغرس والمؤسسات التقليدية: قد تواجه خطط ماسك مقاومة من المؤسسات التقليدية التي تعتمد على النماذج البيروقراطية القديمة، خاصة مع وجود قوى سياسية معارضة لرؤية ترامب وماسك للإدارة الحكومية.
2. التوازن بين المصالح الحكومية والخاصة: ماسك هو الرئيس التنفيذي للعديد من الشركات الكبرى مثل تسلا وسبيس إكس، مما قد يثير تساؤلات حول تضارب المصالح ومدى تأثير قراراته كوزير على أعماله الخاصة.
3. التحديات الجيوسياسية: بالنظر إلى أن ماسك يتمتع بعلاقات دولية قوية، خاصة مع الصين في مجال السيارات الكهربائية، فقد يكون هناك قلق من تأثير تلك العلاقات على القرارات الحكومية الأمريكية.
