منبر العراق الحر :
لم يكن أدونيس شاعرًا يُغرق في المجاز، بل قارئًا بارعًا لطبائع التاريخ، مدركًا أن الثورة ليست قداسة مطلقة، بل رهانٌ محفوفٌ بالمخاطر عندما قال ان الثورة تتسخ حين يقوم بها ناس اشد عنفاً وانغلاقاً ودموية من الانظمة الاستبدادية التي ثارت عليها و ايضاً ان الثورة تخرج من الجامعة وليس من الجامع حيث كان يرى أن الثورة الحقة تولد من فضاء العقل، من رحم الفكر لا من كهف العقيدة المغلقة، من وعيٍ ينشد التحرر لا من حشدٍ مسعورٍ يقايض الطاغية بطاغية أشد غلوًا.
وها هي سوريا اليوم تجسد هذا السقوط المدوي. لم تولد الثورة من ساحات الفكر، بل خُطفت إلى متاهات العصبية، وتلطخت بأيديولوجياتٍ أكثر عنفًا من الاستبداد الذي ثارت عليه. محمد الشرع، ومن سار على نهجه، ليسوا إلا امتدادًا للطغيان في هيئة جديدة، طغيانًا ينهل من قاموس الدم لا من معجم الحرية، يستبدل السوط بفتوى، والسجن بمقصلة، ويجعل من الثورة ذريعةً لإقامة منظومة قمعٍ أشد بطشًا وأكثر وحشية.
الثورة حينما تخون ذاتها
لم تكن الثورة يومًا تغييرًا للأقنعة، بل تغييرٌ للفكر، وحين يفقد الحراك بوصلته الفكرية، يتحول إلى أداة انتقامية تحكمها الغرائز لا المبادئ. من هنا، كانت رؤية أدونيس حاسمة: لا ثورة حقيقية تولد من خطاب الكراهية، ولا تحرر يُبنى على أنقاض الوعي. وحين يتصدر المشهد ثائرٌ أشد تزمّتًا من المستبد الذي أطاح به، تتحول الثورة إلى مجرد مرحلة انتقالية بين ظلمين، حيث يظل القمع هو الثابت، وتتغير فقط أيدي الجلاد.
وهكذا، تكرر سوريا مأساة التاريخ: لم يخرج الناس من قيدٍ إلا ليقعوا في أسر آخر، ولم يثوروا على ظالم إلا ليجدوا أنفسهم تحت رحمة مستبدٍ جديد، أكثر تعطشًا للدم، وأشد استغلالًا لمفردات الثورة، وأكثر مهارةً في تبرير القمع باسم التحرير.
مصطفى شهد