مدن الجنون ــــــــــ . محمد حمدي

منبر العراق الحر :
رياحُ الجنوب
.
حكاياتُ جنوني —
بني خداش
الرمالُ تخرجُ راقصةً
من تحت كفِّها الحافية.
عصا الشيخِ الراعي
علّمتني قصيدة الأعشى،
وشرحت لي “ملحةَ الإعراب”.
سألني صديقٌ في جلسة خمرية
عن أسباب اندلاع الحربِ العالمية الثانية
قلت له:
هو مجردُ انحراف…
لكنّه انحرافُ فنّان!
.
تطاوين
.
حبيبتي سارة
تمشي كما البطة
لأول مرة شعرتُ أني
أتقنُ الوصف.
في الثكنة العسكرية
صديقي الذي كان يشرف على توزيعِ العشاء
منحني لَحمةً كبيرةً جداً
وجدتُ بينها وبين العظم
ذبابةً زرقاء.
ضحكتُ
وضعتُ الذبابة في جيبي
وقلت:
ربما تكون جائعة مثلي
أو ربما تحمل رسالةً
من الله
في الليل
رأيتُ حلماً
أن الذبابة صارت خنفساء
وحبيبتي سارة
تحوّلت إلى سنبلة
تهتزّ في مهبّ ريح
قادمة من ليبيا.
استيقظت
العرقُ في ظهري يشبه جدولاً صغيراً
يسيل على خريطة الوطن
قيل لي:
الجنوبُ مكانٌ ناءٍ
لكنّي رأيته
يخرج من قلبي كل صباح
ويلبس قميصي الأبيض
ويذهب معي إلى العمل.
.
جرجيس
.
العانسُ التي كانت تغمزني
ترى…
هل كانت تعرف اسمي؟
أم كانت ترى فيّ
ولدًا يشبه أخاها الذي غرق؟
كنتُ أضحك بخجل
وأعدّ ضفائرها في صمت
كلما مرّت من أمامي
ذات يوم
أعطتني حبّة تمر
وقالت:
“هذا من نخلةٍ حزينة،
فاحذر أن تضحك كثيرًا.”
.
مدنين
.
كنت أظنّها سوقًا
حتى رأيت شيخًا
يبيع صبره على الرصيف
ويغلفه بورق الجرائد.
امرأةٌ بقدمٍ مكسورة
تنادي:
يا حبيبي يا ولد أختي!
ولا أحد يجيبها
سوى الريح
وكلب أعرج
يهزّ ذيله للفراغ.
.
دوز
.
جلستُ قرب مقهى مهجور
رأيتُ ظلّي يشرب قهوةً سوداء
ويقول للنادل:
“أضف قليلاً من الجنون
نسيتُ أن أُحضِرَ السكر.”
.
قبلي
.
في قبلي
رأيتُ نخلةً تهمس لنخلة:
“الحبّ مرّ، لكنه يُنبتُ تمراً شهياً”.
في سوقها
باعني طفلٌ كيسَ بلح
وقال بثقة مَن عاش ألف عام:
“هذا آخر ما تبقّى من الذاكرة.”
رأيتُ وجهي في مرآة عجوز
تبيع الحناء
فبكيت.
قالت لي:
“الرجال الحقيقيون لا يخجلون من الدموع،
لكنّهم لا يحتفظون بها في جيوبهم.”
.
دوز
.
في دوز
التقيتُ أعمى
كان ينقش القصائد على الرمل
ثم يصفّر للريح
فتأخذها إلى حبيبته في قابس.
صحراء
فتاةٌ بوشمٍ على كتفها
قالت لي:
“هنا نرعى الإبل
لكننا نحلم بقطارات لا تصل أبداً.”
في ساحة المهرجان
رقصت جِمالٌ على إيقاعِ المزمار
ورقص قلبي معها
حتّى سقطتُ من الضحك…
أو من العطش
رجيم معتوق
.
كلّ شيءٍ صادق
حتى الكذبة
تجلسُ معك وتشرب الشاي
.
محمد حمدي
تونس

اترك رد