قصّة (الضفيرة)….هدى الجلاب

منبر العراق الحر :
عرافة تكسبُ قوتها مِن ودع مراوغ،
يقولً آمالاً معشوشبة تُسكّنُ بعض أوجاع، تتحدّث عَن إطلالة حلوة لصباح قادم، تبتكرُ صوراً قد تحصل ورُبّمَا تحملنا حيثُ أسراب طائرة في فضاء.
نُحلّق ونُسافر ويَنمو بَينَ ثنايا ضلوعنا الباردة عشقٌ لدفء مأمول. دُونَ أنْ ندري تتخلل مِنْ بينَ أصابع السكون المُتراخية أنواعُ حرائق وعواصف ثلجيّة، لا نبالي طالما الحلم الوردي موجود.
كأنّها أمامي الآن بثوب مُزركش فضفاض وشال برتقالي برّاق، تسألني أنْ أقف بُرهة كي تقرأ طالعي وما كُتب لي وراء أسوار الغيب …
كنتُ شاردة، أمشي بخطوات بطيئة، أرقبُ إسفلت الطريق وتحت إبطي تحليل يُثبت أنّني لا أستطيع الإنجاب. مِن إلحاحها الشديد وقفتُ. جلستْ على طرف رصيف، تربعتْ بأريحيّة كأنّها في بيتها وأعز، رمت الودع مُبتسمة ابتسامة خبيثة وأشارتْ بيدها كي أجلس على طرف مصطبة محلّ ألبسة في سوق باب توما: بيضي الفال.
ضحكتُ مِن سذاجتها ودعوتها إلى مطعم قريب على الرصيف المُقابل. فرحتْ وكادت تطير. تتطلع حولها مُستغربة المكان الهادئ الذي ينصت بشغف لأنفاس رتيبة. طلبتُ لها كأس شاي ساخناَ حسب رغبتها وفنجان قهوة سادة لي.
تشربُ بشراهة واضحة وتنبعثُ موسيقى غير مرغوبة مِن بين شفتيها القاتمتين ثمّ بدأتْ بشرح بعض ترهات غريبة للغاية: سيبقى الرجُل الذي تعشقين يلامسُ ضفيرة شَعرك طيلة حياته ولنْ يتسنّى له أنْ يلمس شعرة مِن جسدك ذات يوم.
سكتتْ بُرهة ثمّ قالت بحزم: ستنجبين بنتاً وثلاثة صبيان.
رجوتها بغصّة خانقة أنْ لا تكمل وسأعطيها ما تريد مِن المال. بلعتْ لسانها لحظات مُجبرة وفي وجهها ألف قصّة تريد أنْ تسفحها تحت قدميّ كي تحظى بأجرة أكثر.
أتأملُ الوشم الأزرق المرسوم على ذقنها الناعمة ويديها الخشنتين المُتعبتين وهي ترقبُ أطباقاً فارغة على الطاولة المجاورة.
– هل أنتِ جائعة؟
طلبتُ لها وجبة سريعة ففرحت كأنّها ربحت جائزة يانصيب. تمسحُ فمها بطرف كمّ يمينها وأنا أتفرج على بساطة حياتها وجمال روحها. تنهدتْ بعمق ونظرت إلى عُشاق يجلسون برومانسية جميلة. زفرة ودمعة في طرف عينها حملتني إلى غيمة عالية، قلت لها: سأقرأ حظك أختاه. ومازحتها: بيضي الفال.
دهشة لبستها جلباباً وقلبتْ ملامحها المُعقدة إلى روضة زهور يانعة. ضاحكة بسخرية: هل ستسرقين رزقنا يا بنت الحلال؟
تابعتُ بثقة: أنتِ يا فتاة عاشقة مِن رجُل مُتزوج ورافضة حلاوة الحياة.
نهضتْ ملسوعة وفي عينيها ترقرقت دموع مولودة، تجمدتْ المسكينة لحظات وعرق لمع على جبينها على الفور.
– هلْ أنتِ أخت جان؟
– حدس فقط.
تأوهتْ وهربتْ الصبيّة موجوعة، لحقتُ بها، أعطيتها نصيبها أخذته بيد مُرتجفة وراحتْ معطوبة البال إلى ضباب قدرها.
أسألني مُستغربة: كيف عرفتُ يومئذ ما الذي بين ضلوعها مِنْ أسرار خفيّة؟ ولا أجدُ جواباً مُقنعاً إلى اللحظة.
كلّ ما في القصّة، الآن عندي بنت وثلاثة صبيان وبعضُ أمل في عطاء يد الحياة.
أستيقظ فجأة، على صدى صوتها يرنّ في دهاليز ذاكرتي و كأنّه الآن. أقوم مجنونة وأنا أتذكر ضفيرة شعري التي بعتها لصالون حلاقة في حيّ الصالحيّة لأسدّ أجرة عملية أجريتها كي أستطيع الإنجاب.
..
هدى محمد وجيه الجلاب
(سورية القلمون ريف دمشق)

اترك رد