منبر العراق الحر :
قد لا يتفق معي الكثيرون في ما سأقول .. ولكنها حقيقة ٌ أخذت تسطع كالشمس في رابعة النهار .. بحيث أبصرناها جميعا ً من خلال تجاربَ كثيرة ٍ وعبر مناسبات ومهرجانات عديدة .. فضلا ً عمّا يعكسه نبض الشارع حول ذلك من اهتمام .
من هنا أقول .. إنّ مستقبل الشعر يتّجه لصالح القصيدة باللهجة المحليّة .. لا الفصحى .. وأخشى ما أخشاه أن ينسحب ذلك على القصّة والنقد وكلّ الأشكال الأدبية الأخرى .
قبل الاسترسال أودّ أن يعلم الجميع بأنني ورغم عدم ممارستي لكتابة الشعر المحلّي ( الشعبي ) .. إلا أنني من المتذوّقين له والمعجبين به لما فيه من إيقاع الوزن وجمال القافية فضلا ً عن الصور الزاهية التي ربما عجزت عن رسمها بعض قصائد الفصحى .
كلّنا نعلم ما للّهجة المحلية من تأثير نتيجة معايشتنا اليومية لها .. واستخدامها في أدقّ تفاصيل حياتنا وتفكيرنا .. حيث لم يعد يربطنا شيء باللغة الفصحى سوى القرآن الكريم .. والشعر الفصيح .. مع ما تتناوله التقارير والأخبار الصحفية من مواضيع رغم أن اللهجة العامية بدأت تزحف عليها بحيث أصبحت بعض مواضيع الصحف والمجلات وحتى ( الفيسبوك ) تُكتب بها أيضا ً .
إنّ الأمر لا يخصّ العراق فحسب .. فالشعر ( النبطي ) في دول الخليج .. والشعر ( العامّي ) في مصر .. وكذلك ( الزجل ) في الشام والمغرب العربيّ .. كلّ ذلك لا يختلف عن الشعر ( الشعبي ) في العراق وما وصل إليه من انتشار وهيمنة شبه تامة على الشعر باللغة العربية الفصحى .
وأسباب ذلك كثيرة منها ..
1. استخدام اللهجة المحلية في أدقّ التفاصيل التي نتعايش معها ونتحدث من خلالها ونفكر بها في حياتنا اليومية كما أسلفت .
2. استعلاء شعراء الفصحى على الجمهور ومخاطبتهم بطريقة ( تكأكأتم عليّ ) و ( افرنقعوا عني ) .. وإدخالهم في دهاليز العتمة والغموض فضلا ً عن ابتعاد الكثيرين منهم عمّا يشدّ الجمهور إلى قصيدة الفصحى من حيث الوزن والقافية والصورة الواضحة .
3. سيف النحو الصارم والذي يتجنب بعض الكتّاب التعامل معه .. مما اضطرهم إلى الكتابة بالعامّية .. ولم يتوقف ذلك على الشعر .. وإنما زحف إلى المقالة أيضا ً .
4. أن سقف الثقافة لدى الكثير من المتعلّمين هو جريدتهم اليومية .. وهم بذلك ميّالون إلى ما يداعب مشاعرهم وأحاسيسهم بالطريقة التي يفهمونها عبر وسائل من الكلمات البسيطة التي لا غموض فيها .
5. لقد أتخذ شعراء الفصحى من الأبراج العاجية مسكنا ً لهم .. دون أن يفكروا يوما ً بالتواضع والانحناء إلى شرائح الشعب البسيطة .. على أمل أن ترتقي تلك الشرائح إلى ملامسة تلك الأبراج .. ومن هنا اتسعت الهوّة بين الجانبين .
وإزاء ذلك كلّه .. لم أستغرب هيمنة الشعر الشعبي على الجامعات والمعاهد رغم أن بعضها متخصّصٌ في دراسة اللغة العربية .. كما لم أستغرب حضور ثلاثة أشخاص فقط لأمسية ٍ شعريّة ٍ فصيحة .. في الوقت الذي ضاق المكان نفسه بالجمهور في اليوم التالي بحيث وصل الزحام إلى الشارع لأن الأمسية كانت بالشعر الشعبي .
من هنا يجب القول أنّ على شعراء الفصحى أن يقفوا موقفا ً جادّا ً من الأمر وإلا فإنهم سيتعبون أنفسهم بقراءة الشعر الفصيح لأنفسهم فيما بينهم .. دون جمهور .
