بائعات الهوى -قصة قصيرة-….منى الصراف

منبر العراق الحر : (بائعات الأماني)
نساء احترفن القفز فوق أسوار المدن، ينظرن إلى عينيك فيتغيّر بك الزمان والمكان، هاربات من أساطير قديمة، سقطن من مناقير طيور مهاجرة، يجمعن الأمنيات وينثرنها بين المدن والطرقات، راحلات دائماً؛ هنّ راحلات يحملنَ الأماني والحكايات وبشارات تفيض بالنشوة تدغدغ الأحلام، يبعنَ لك الآمال من دخان يعيد لك ذكريات عتيقة من ركام السنين وبصيص أمل وسط الظلام، يرسمنَ كما يشأن لك الأسفار على الغيوم، يخادنّ المطر، أسراب لحمائم تحمل البشارة لمن ضاقت به الحياة، كلماتهنّ سحر وبعض حظوظ للشجن، نبوءات طريقها الفرح.
كحل نثرنَه في العيون، وشوم على جدار الجسد، تتشاجر الأضداد في وجوهنّ، عيون واسعة سوداء، غارقات في المستحيل.
إنّها أشرعة الغجر التي كانت تأسر فتنتهنّ، تلك الطفلة الرقيقة الدافئة؛ كم كانت تتمنّى أن تحظى معهنّ بلقاء، كانت غارقة بقصصهنّ والفرح لهنّ ثوب، وفي ليلة حارّة والناس نيام؛ سمعت وشوشاتهنّ ونغمات من أحجار الودع، وكلمات بين التبشير والتحذير لنساء مخدرّات غافيات وضعنَ أحلامهنّ كلّها تحت الجفون ينتظرن غيث المطر.
طلبت تلك الطفلة من والدتها بمحاولات التوسّل كلّها أن تفسح لهنّ الطريق لدخول عتبة الدار، رفضت الأمّ هذا الطلب لكنْ بعد أن رأت إصرار ابنتها المدلّلة وافقت بتملّل، وهي العالمة بحبّ ابنتها للفرح المصاحب للغجر، كنّ ثلاث نساء سمراوات ووجوهنّ تملؤها الوشوم، وشوم خضراء جميلة، هكذا كانت تراه تلك البنت الناعمة، اتخذنَ من باحة الدار مجلساً ، فرشت إحداهن خريطتها بأحجار ملوّنه رائعة زاهية فوق قطعة من القماش المزركش، واتّخذت الأخرى مكاناً آخر بين صاحبتها الأولى التي أجلست الطفلة قربها وبين صاحبة الأحجار، طلبت من الأمّ أنْ تمسك بأحد الأحجار وأن توشوشها بالأمنيات، وأنْ ترمي معها بعض النقود لكي تبوح لها الأحجار بالذي ذهب والذي آت، طلبت الغجريّة من الأمّ ألّا تغادر نظرتها لمكان آخر غير عينيها، تململت، تنحنحت، أخبرتها حكايات من رماد زمن فات، وأخرى قادمة تحمل أحلاماً ستتحقّق في نهاية المطاف.
ذُهلتِ الأمّ من كَمّ المعلومات الحقيقيّة التي أخبرتها بها تلك القارئة، ومن أمنيات أخرى لا يعرفها سوى أهل الدار والزوج الذي يشقى ليل نهار من أجل الأفضل لأسرته الكبيرة، شعرت الأمّ بنشوة الانتصار وأفراح تتراقص لها نبضات القلب، لم تمضِ سوى لحظات من هذه الأفراح حتّى انتفضتِ الأمّ والغضب يتفجّر بوجهها، نهضت وأخبرتهنّ: إن إبليس لَكُنّ مدرسة بل بالأحرى ما أغباه؛ هو تلميذ ينهل منكنّ الخداع، صرخت فيهنّ وطالبتهنّ بمغادرة الدار. أصاب ابنتها الحزن وأخذت تبكي من قسوة والدتها عليهنّ في حين منذ لحظات زرعن لها فرحاً لم تكن تراه منذ سنوات بوجهها وقالت:
-ما بالك يا أمّي.. لماذا هذا الهجوم على جالبات الفرح لك.. كيف تكونين بهذه القسوة وطلبتِ منهنّ مغادرة الدار بهذه الطريقة؟!.. لماذا يا أمّي؟!
تنهّدتِ الأمّ، خرجت مع زفيرها نار تشتعل وقالت لابنتها:
-حبيبتي.. كلّ الذي أخبرتْني به تلك الغجريّة من معلومات وأمنيات لا يعرفها سوانا كان بسبب استنطاق الأخرى الجالسة معك، وتترجمها بلغة لا نفهما نحن، تلك المخادعة التي تدغدغ أمنياتنا وأحلامنا.. إنّه خداع الغجر.
منى الصرّاف / العراق

اترك رد