غياب الاستجابة يُبطل الريادة….كفاح جرجس

منبر العراق الحر :

لا شك أن هناك تنامي لأسئلة بدأت تحتل مكانها على مستوى التفكير و التأمل الفردي، و كذلك أسئلة قد تصل لمرحلة تحديات الوجود بل و المصير أيضاً على مستوى المجموعات، بغض النظر عن العنوان الذي تصنف نفسها به،

هنا تبرز معضلة العقل الغيبي التراثي و الديني و التي تصدى لها الكثير من المفكرين قديماً و حديثاً،
من ابن رشد للفارابي و المعري و غيرهم كثر و في العصر الحديث، أنطون سعادة، طه حسين، علي الوردي، أدونيس و هناك كثيرون أيضاً،
كلهم لديهم أفكار رائدة و تؤسس لعقل تنويري نهضوي،
لكن السؤال:
أين أثرهم في المجتمع؟

الحقيقة هناك نقاط كثيرة في التصدي لهذا السؤال و سأتناول واحدة منها في هذا المقال المختصر.

في عصر التنوير الأوربي أكدت النظرية العلمية على أن:
التنوير يمشي على قدمين هما الريادة و الاستجابة، و غياب أحدهما يؤدي بالضرورة لتأخير التنوير و استدامة عتم العقل و الذي من أبسط ظواهره عتم البيوت بغياب الكهرباء في عصر التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي،
إن أفكار الريادة في أوربا التي قادها كانط و ديكارت و نيتشه و جون لوك و سارتر ..الخ
وجدت استجابة من الناس فضلا عن المثقفين و كانت نقطة تحول كبرى على مستوى مجتمعاتهم فلم يعد هناك ( عوام) و ( جماهير)
بل افتتحوا عصر المواطنة و اصبحنا أمام مواطنين لا عوام و لا شراذم،
أي أن الانسان مؤهل فاعل،
فلا يبقى أبد الدهر رعية، غير مؤهل، قاصر .. فيتأبد المعلمون على قدر تأبيد ( العوام)- ( الرعية)
لكن أيضا بلادنا لديها الكثير من أصحاب الافكار الرائدة للخروج من الحفرة التجهيلية الكبرى،

لكن هذه الريادة شرط لازم، لكنه غير كافي، إذ لا بد من استجابة شعبية، فأصحاب الافكار ماتوا و هذه كتبهم على الرفوف، إن بقي رفوف أصلاً

لكن
لماذا لم تحدث الاستجابة؟
من أين تأتي الإستجابة؟
أستعين ب طه حسين الذي قال عبارة مهمة في هذا المجال:
“المفكر نوعان، نوع يؤثر في الناس و هذا تركته فإني لا أريده، و هناك نوع هو
المفكر الذي يؤثر بالذي يؤثر بالناس و هذا هو المهم”
و هنا يتضح أهمية مصطلح ( الكتلة الحرجة) و التي عملياً تقع، بين الانسان العادي و المفكر،

و هي ذات فعل و دور مهم جداً في تكوين الاستجابة من خلال ما أسميه ( شعبنة الثقافة) أي تبسيط المفاهيم الثقافية و الفلسفية و النفسية لتصبح جزء من الثقافة الشعبية و سهلة التناول من الجميع،

لكن أيضاً هناك نقطة مهمة فارقة لا يمكن تجاهلها،
فإن أصحاب الافكار الرائدة بقوا كحالات فردية و تأثيرهم موضعي فمن كان في دائرة احتكاكهم و تفاعلهم تأثر، و من كان بعيد بالزمن او المكان فإن تأثيره يضعف و يتلاشى رويداً رويداً،
لأنهم بقوا أفراد و لم تنشأ مؤسسات مجتمع مدني او تيارات في المجتمع تعمل بموجب الافكار و تضعها على محك الواقع،
أما الذين أسسوا أحزاب و مؤسسات و كانوا أملاً في التغيير و إنتاج تقدم و تطور،
مَن جاء بعدهم قام بوأد المؤسسات التي أقامها أصحاب الافكار الرائدة،
و لهذا أسباب عديدة لا تتعلق بالسلطة السياسية و الاقتصادية على عظم أهمية و فعالية دورهما فحسب بل تتعلق ببنية عقل مأزوم في العمق، و لا شك الموروث الخرافي الديني يدخل في هذه التركيبة المعقدة المقعدة،

لم أذكر السلطة الدينية فيما سبق لأنني أرى أن السلطة الدينية قديماً تتطابق مع السياسية ( و هذا ما يفسر غياب السياسة أصلا)

أما اليوم فإن السلطة السياسية تقبض على السلطة الدينية بل و تتحكم بها، و أصبحت قناع سهل الإستخدام و الإستبدال، حسب الضرورة السياسية المتعلقة بالسلطة السياسية و ليس العكس،

و للقناعة دور في تعطيل الاستجابة
هذه شعوب الارض كلها أمامنا تتطلب و تطالب و تتحرك و تخلق تياراتها حسب مصالحها و رؤيتها،
لكننا قنوعين جداً جداً
(كلشي بيجي من الله ما احلاه)،
الحقيقة أنني لا أستطيع قبول هذا الكلام،
هذا هو الحلو!!؟ كله من عند الله؟
و كأنهم يصورون الله يتلذذ بهذا المر – الحلو القادم من عنده..
(القناعة كنز لا يفنى) نعم، و لكنها عندما تُفني فهي ليست كنز مطلقاً،
من أهم ما جاءت به مفاهيم الحداثة و كم نحن بحاجة لتبنيها بعد فهمها عميقاً،
هو مفهوم إلغاء فكرة البطل لصالح فكرة المؤسسة،
لهذا لا أبطال في عالم الغرب، و مَن يشذ عن هذه القاعدة عاقبته وخيمة،
كما قال أحد المفكرين :
“التاريخ يعاقب المغفلين كما يعاقب المجرمين على السواء”

و غاليلو يقول: “ويل لأمة لها أبطال”
و أخيراً
أود أن أوضح أن عكس التنوير هو التجهيل و ليس التكفير كما ذهب البعض،
لأن التكفير هو أحد أدوات التجهيل،
التجهيل الذي له وظيفة واحدة و هي المحافظة على الاوضاع القائمة

و الحلول كلها منوطة بنا وحدنا
و انتصار الوعي و الانسان فينا
انتهت المقالة،
أرجو من حضرتكم استخدام صورتي المرفقة،
كل الود و الاحترام

كفاح جرجس

اترك رد