صباحات نشيد موطني…. نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
الأناشيد في طفولة المدرسة سمفونيات خالدة ، هذا ما يكتشفه المهاجرون قبل غيرهم ، وربما أي أغنية حزينة في هذا العالم لن تأخذ منكَ دمعة واحدة ، ولكن استذكار نشيدا واحدا من اناشيد القراءة وكتاب النصوص المدرسي قد يكلفكَ نهرا من الدمع تذرفه وانت تتذكر الاطفال الحفاة في مدارس الأهوار الذين ينتظرون موسم معونة الشتاء يقفون في البرد القارص على قلة اعدادهم حيث يصل في بعض الاحيان تعداد المدرسة كلها الى عشرين تلميذا قد يجتمعون من عدة قرى متقاربة ، وقتها يقف مدير المدرسة أو معلم الرياضة قرب سارية العلم وينادي بصوته الحنون : تلاميذ مدرسة الابرار الآن الى الصفوف مع انشودة موطني.
أتذكر حين قررنا من تلقاء نفسنا تحفيظ اطفال المدرسة من الصف الثالث صعودا نشيد موطني عانينا من صعوبة في ابعاد خوف الاطفال ورجفتهم وخجلهم أن يكونوا كورالاً في فيما بينهم وينشدون ، وربما اخذ الامر منا اكثر من شهر في تدريب يومي ولحصة واحدة نجمع فيها الصفوف الثلاث فقط لنكسر عنهم هاجس الخوف وصعوبة حفظ نشيد ينبغي ان ينشدونه ملحنا من خلال موسيقى قلوبهم واوتار حناجرهم.
ومنذ تلك السنوات كلما اسمع نشيد موطني تلازمني قشعريرة ورعشة حنين الى تلك الوجوه البريئة التي لا تدرك المعنى الحقيقي للنشيد ولكنها تعنيه بصدق ، حتى ان الآباء في مرورهم الصباحي وهم يذهبون مع دوابهم الى مراعيها يتضايقون ليس من الانشودة بل من شعورهم اننا نعلم ابناءهم الغناء وليس القراءة والكتابة.
وهي ذات القشعريرة التي لا زمنتي حين شاهدت ذات يوم عرضا في الهواة الطلق في شارع الحمراء في مدينة دمشق لشباب يقدمون النشيد مع عرض مسرحي بسيط وبتلقائية.
كان الشوام يتحركون بحنين ان يأتي السلام الى بلادهم ، وكانت كهرباء الوطنية ولذتها وحناناها تمشي تحت اجفان المارة ليشع في العيون ضوء امنية رحيل الحرب.
أظن وأنا أتذكر الآن صباحات نشيد موطني البعيدة أن هذه السمفونية الروحية جمالها يكمن في انها تلتصق بمشاعرنا الوطنية في نشأتها الأولى .
لهذا لا نمل من سماعها في كل حين ، عندما كنت أسمعها من افواه الاطفال في قريتنا الغافية الان بلحظات انتظار مجيء الماء الى اديمها الاخضر ، أو الآن في الليل الالماني الذي ينذر بسقوط المزيد من الثلج في ليل يناير الطويل.
تلك اللحظات ، وتلك الاصوات الذي انشدت بلادي بارتباك وهلع . كبرت اليوم واخذتها لجة الحياة واقدارها ، وحتما الجنود منهم استطاعوا ان يصلوا الى المعنى الروحي الى تلك اللحظات التي يقفون فيها حفاة ويرتجفون من برد شمس شتائية حنونه ويأدون النشيد الذي قد لا يدركون تماما ما الذي يعنيه بالضبط ، ولكنهم منذ كلماته الاولى يسكنهم الشعور أن الجمال الذي يقصده هذا النشيد المغنى ببهجة انهم يشتركون معا بأناشيده .
هذا الجمال يعني المكان الذي يعيشون فيه : الأهوار……!

اترك رد