منبر العراق الحر :
(( ما من سيدة طروادية ، و لا إغريقية ، و لا بربرية يمكنها أن تفخر قط بأمومتها لمثل هؤلاء ، و مع ذلك فقد شهدت مقتل هؤلاء برماح الهيلينيين ، و جززت خصلات شعري هذه عند قبور أبنائي الموتى .. قدنني أنا التي كنت أسير برقة في طروادة .. أنا العبدة الآن .. قدنني إلى فراش مغطى بالتراب))
يوريبيدس في نساء طروادة
يتخيل أبي في رؤياه أن الأرض سرير راحة البشر في حياتهم ونومهم الابدي الخالد ، ويقول بفضل حكمة وتجارب الكدح الطويل في بيع وشراء ( الحنطة والشعير ) أن الأرض تعطينا ، ونجازيها بالرقود على وسادتها فتكون هي الام الدائمة واللائي يلدننا من ارحامهن هن الأمهات المؤقتات.
اعلاه ما تلاه أبي ولكن ليس بمثل بلاغة تلك الجمل ، لقد جمعت افكاره وملاحظاته وصغتها لأعرف أن الارض هي الام وسلة الخبز والمكان الذي تتمرن عليه الشوارع لأجل اتقان اسطورة السفر.
صورة الأرض تسكن في طفولتي فسحة ما اراه امامي وكنا نحس بانتمائنا اليها حين تكون ساحة نلعب عليها كرة القدم ولحظة نتعثر ( ننسمطُ على وجوهنا ) ولحظة نهجع لننام على سرير اشتراه أبي مصنوع من جَريد النخيل .
في أيامي التي قضيتها معلما في احدى قرى الاهوار كانت الارض بالنسبة مثل جزيرة صغيرة تذكرنا بتلك الجزر التي ينتهي اليها قدر السندباد في رحلاته أو تلك رميَّ فيها البحار مونت كريستو بعد تحطم سفينته في عاصمة بحرية .حيث لا تمتد على الجزر المتناثرة بين الاهوار سوى بيوت قليلة تسعْ المساحة الضيقة ، ولكنها الأرض هي الارض اينما تكون وبأي مساحة كما يقول احد المعلمين ولكنها هنا لا تصلح أن تُلحقَ بها مقبرة.
مرات يحاول عامل الخدمة ( شغاتي ) ان يطور رغبته بتطوير الحقل الصغير امام بيته بعدما نقل اليه ذات مرة الاجواء الهولندية وزرع شتلات من زهرة التوليب اتى ببذورها أحد المعلمين ، وحين نجحت تجربته اراد أن يزرع قرب حقل زهرة التوليب ريحانا وبصلا اخضرا والكرفس ، لكن التجربة فشلت فقال بصوت يائس وحزين : الأرض حِماد ماذا افعل لها . مع اقدام بناتنا تصنع رنة خلخال ومع الخضرة تخبو وتموت.؟
وعلى ذات الارض الحِمادة حيث ايقظ فيَّ حزن شغاتي الصورة اليومية للنساء وهن يضربن على الارض بموسيقى الاقدام الحافية ومع متعة اليومين التي قضيتها في قراءة ( نساء طروادة ) ليوريبيدس.
قارنت بين نساء المكانين ، طروادة ونساء قرية أم شعثة .
ضحك احدهم وقال :يا رجل أي مقارنة هذه بين نساء ارضهن حمادة كما نساء قريتنا وبين نساء ارض تنجب الالهة والسيوف وصدى البحر الايوني الازرق.؟
قلت :الاهوار في مخيلة الرؤيا بحر ، وربما آلهة هذا المكان اقدم من الالهة الاغريقية.
قال :لا احد خلد هذه الارض الحِماد مثلما خُلدتْ طروادة في الالياذة.
قلت : انت متوهم هذه الحِمادة التي نمتْ بها زهور التوليب خلدها نوح برحلته وآدابا والذي كتب اسطورة الطوفان وجلجامش ايضا.
صمت صديقي ، وقال :اتمنى أن لا تقارن بين هاشمية وايرين باباس ، فالأولى ليس لديها سوى رنة خلاليها وهي تذهب بصحون قيمرها الى الجبايش ، فيما ايرين باباس اشتغلت مع انتوني كوين فيلم زوربا.
أصمت وانظر الى الارض الحَمادة ، ارفع رأسي فتمرُ ثلاثة فارعات من اناث قريتنا ، اسمع موسيقى مشيتهن ،فأهمس لصديقي المعلم قربي :هن طرواديات ايضا…….!