عاطفة الموسيقى الأرمينية ….نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
يقول واحد من المعلمين في مدرستنا : الموسيقى والخبز من أب واحد.
يقول هذا وهو يحمل هاجساً احبه دون ان ينتمي اليه بعرق ودين عندما هام عشقا في الموسيقى الأرمنية وكان من بين اشرطته معزوفات ارمنية رائعة تعزفها عازفة البيانو العراقية باتريس اوهنسيان الذي يقول عنها : أن تجلب اصابع باترييس الى بيت خميس البيت الاقرب لمدرستنا يعني انك تجلب مركبة فضاء من حدائق ناسا الى ليل القصب في أم شعثه . وربما بسبب هذا المعلم تعلقنا بتلك الرقصات المرحة للمكان ، وبتنا نعذره في قوله : أنه يحب كل شيء أرمني . بالرغم من أنه كان بسمرة لها ملامح افريقية بعيدة ، واكتشفنا ذلك عندما عرفنا ان جداً بعيدا له تزوج خادمة زنجية في بيتهم وكان هذا المعلم من نسلها ، فكنا نضحك ونتساءل أمامه : من الذي اتى بمقلاة الباذنجان الى صحن القيمر .؟
فيرد بتفاخر : عاطفة الموسيقى الارمنية.
تلك العاطفة سكنته في بحثه عن كل ما يهم الارمن وصار يحتفظ بأرشيف كبير عن وجودهم في العراق وتفاصيل ما تعرضوا له في زمن الدولة العثمانية وحتى عندما خدم في الجيش في معسكر خالد بمدينة كركوك كان جميع الجنود ينزلون في المساء الى سوق القورية في المدينة فيما يذهب هو ليتجول بين شوارع منطقة عرفه حيث اغلب سكانها من المسيح الكاثوليك والارمن ويقول :
يكفي ان اشم رائحة الشبوي والرازقي على اسيجة بيوت اصدقائي الارمن حتى اشعر بصدى الموسيقى الارمنية يملأ صدري.
ذات يوم وكان نسائم الليل تحرك على اطراف القصب شيء من برودة لذيذة تدفعنا لنسمع ونتأمل ومن فاض فيه الحلم يأخذ ورقة بيضاء ويكتب عليها ما تجود به الموسيقى الارمنية من حس يؤسطر لحظات بعيدة هناك في الجبال الارمنية حيث اعتاد ملوك سومر أن يجلبوا ساقيات خمور العنب من تلك الامكنة ، ويقال أن تموز أراد ان يغيض الالهة عشتار فأقترن بفتاة ارمينية ،عندما اقدمت عشتار على الانتحار بتمزيق شرايين يديها بشفرة حلاقة جوليت.
أنها قصة اسطرها ذلك المعلم بمزاجه وقد فاجأنا هذه الليلة بأنه جلب اغاني رومانسية بصوت المطرب شارل ازنافور. الذي كنا نقارن عذوبته بعذوبة صوت المطرب عبد الزهرة مناتي.
قلت له : اليوم مع ازنافور وقد ودعت موسيقاك الارمنية .
ضحك وقال : معلومة جديدة لك يا صديقي المطرب شارل ازنافور ارمينيا.
أصبت بالمفاجأة عندما عرفت أن صوت ليل باريس الساحر ارمينيا . وقلت :إذن علينا أن لا نستغرب أن يكون الروائي التركي يشار كمال من الجبايش.؟
قال :للترك مع الأرمن محنة تأريخ ومذابح.
قلت : وفي العراق لهم مثل هذا التأريخ وربما لأجل هذا أنت تعطف عليهم.
قال :كلا بل لأجل هذا اشعر ان الموسيقى الأرمنية تحكي عن أساطير لأرواحنا في فرح خفي وليس كما موسيقى اساطيرنا مكبوتة بالحزن دائما.
والآن أطل من النافذة على نافذة جاري الارمني الذي يقابل بيتي فأمد خيط وصل من أجفانه الى أجفان صديقي هناك …
الذي حتما بالرغم من عمره الذي بلغ السبعين الان حين سمع ان السفر الى ارمينيا صار للعراقيين بدون فيزا سيكون أول المسافرين اليها………….!

اترك رد