منبر العراق الحر :
أنا الخريفيّة على تخوم الشتاء
مازلت أقايض الربيع بحبات الطلع
وأشتري الدفء بصكوك الغفران
أنا الخريفية ،
أعرف أن الياسمين لا يظل ناصعا حين تخونه الفصول ،
يصبح بلون الصديد
ورائحة الدم
وأن الجورية لم تحمل عند النشأة أشواك
في البدء كانت هشة كشقائق النعمان
لكن رياح المواسم
علّمتها كيف تشهر في وجه التقلّبات : السلاح
أنا الخريفية ،
أعلم أن الطفلة التي كُنتها لم تبق يافعة ،
صارت إمرأة لا تقتات بنعومتها
بل تنحت في الصخر بأظافر الصبر
وتكتب سيرتها بحبر الكفاح
وأن القصيدة لا تولد من ثغر مفترّ
بل من ملح منقوع على الجراح
وأن الأرض العطشى لا تغري المزن
وحدها الأرض الرواء يتعشّقها السّحاب
أنا الخمسينية إلا نيف
علّمتني الحياة أن انتحار الزهور لا يجلب عطف المطر
وموت العشب لا يُحزِنُ الغيم
وأن النجوم يشتدّ بريقها في العتمة
وأن شمس النهار تغتال كل ما يلمع
وأنه “هناك حيث يكرع الأنام تتسمم كلّ الآبار”
أعرف أن للجسد ذاكرة تهرم قبل ذاكرة الروح
وأن العمر اشتعال
والأيام أعواد ثقاب
وأن أول الحب ليس أخر حب
لكن أول منزل يظل يهفو إليه الفؤاد
أنا المرأة الخريفية على تخوم الشتاء
أعلم
أن القصيدة تنقذنا حين تشتد عطانة الحياة
وأن من لم يصادق بومة مينيرفا
ولم يركب براق الفن
ولم يغازل بنات أفكاره
افترسته مطحنة الجهل
وأكلته “ماكينة “العادات
أنا المرأة الطاعنة في العشق
الوارفة في السنوات
المتوغلة في البدايات
المستشرفة للنهايات
علمتني الحياة
أنه عند نهاية حكايا العشق
سيكون هناك دائما رجل من قش
يجلس وحيدا قبالة كؤوس تشعل أحزانه
وتثرثر فقاعات من ذكريات
وأن هناك امرأة من رماد
تشكو انكساراتها لفساتينها وعطورها
وحمالات صدرها
وجواربها الدانتيل
بينما أقلام حمرتها القانية تنسحب تاركة مكانها لحمرة بألوان باهتة..
أنا الأنثى المعتّقة ،
علمتني الحياة أنه بالحب وحده نسير على خطى جلجامش نتلذذ باحتراقنا
معتقدين أننا في نعيم لا يدركه فناء
“أجمل الخطى تلك التي نقطعها نحو السراب
معتقدين أنه : ماء …”
صباح نور الصباح