منبر العراق الحر :
الرّوائي المغربي محمد شكري نفسه تحدّث مرّة عن مدينتي الناصرية في كتابه (غواية الشحرور الأبيض)، قال شكري شيئاً عنها في سياق رؤاه عن رواية الوشم التي أهداها له مؤلفها الرّوائي عبد الرحمن الربيعي وهو ابن مدينتي وأحداث الرّواية تدورُ فيها. ولابدَّ للرواية أنْ تخلق في مخيلة شكري شيئاً من خيال مدينة كما أفعل في تصوري لمدينته طنجة. فشكري يصفُ أبناء مدينتي من خلال قراءته للرّواية كالتالي في الصفحة 144 من كتاب غواية الشحرور الأبيض: ((من الصفحات الأولى ندركُ أن أشخاص هذه الرّواية أذكياء اجتماعياً وثقافياً، حتى السذج منهم يجدون دائماً ما يقولونه، سواء عن وضعهم السياسي المنهزم أو عن هموم الحياة وتفاصيلها الصغيرة))
لهذا تهتُ في مخيلة لحظة التفكير بقيلولة الليل عند محمد شكري لحظة قراءته رواية الوشم، وكتابته عنها في شقته 18 بالدور الرابع من عمارة في شارع تولستوي في طنجة.. وتخيلت أوقاته التي يكتبُ فيها، وكيف تفاعل شكل المدينة السومرية في رأسه التطواني الفلاحي، الذي أتى يحمل همومَ قسر اجتماعي من قريته الجبلية (آل شكير)، يحملُ ذات العبارة التي نقلها عن فم أمه في بداية الصفحة الأولى من روايته الشهيرة (الخبز الحافي): ((اسكت سنهاجر إلى طنجة، هناك خبز كثير. لن تبكي على الخبز عندما نبلغ طنجة… الناس هناك يأكلون حتى يشبعوا))
ليس في لحظة كتابة شكري عن الناصرية سوى وجهه الحاد القسمات، أفترضه يمسك عبوساً أسطورياً عبر ما يصفه معارفه، أو صديق لفترة من الفترات. وكنا نجلس معاً على الكرسي الذي تعود الجلوس عليه وهو يحتسي شرابه في حانة ريتز، وهو اسم تحمله في أوروبا سلسلة فنادق، ومنه خرجت الليدي ديانا لتلاقي حتفها في موتها المأساوي في باريس. تجلسُ على كرسي كان يجلسُ عليه شكري. صوت القطار يدفعُ برد الليل إلى جفن النوم. المجيء بمدينة من أقصى الأرض إلى غرفة في قاطرة أمر يحتاج إلى نباهة. كان شكري يعرف الناصرية جيداً.
باسم السعدي، وAmir Doshi و٣٣ شخصًا آخر