الحمّام ليلة الحنّة ….فائزة الفدعم

منبر العراق الحر :

مساء خريفي كالمساءات ، لا يميزه خلال تتابع الأيام الاّ اصوات أبواق السيارات ( الهورن ) التي تختلط مع قرع طبل بلدي معلومة فيه نغمة فرح ، فاستعدت بذاكرتي الى حلم جميل مرّ على حين غرّة بخيالي فتذكرت أهل محلتي وبساطة الحياة ايامها ، والتي كانت على الفطرة في كل عاداتهم وتقاليدهم المتوارثة والتي تؤرخ طيبتهم وتلقائيتهم .. تذكرت السيدة الوقورة أم فاضل التى زارتنا عصر أحد الايام لتدعونا لزفاف ولدها ولمشاركتها مراسيم العرس ، ومنها الذهاب الى الحمّام العام المخصص للنساء .

اعتذرت والدتي وكنت في ذلك الوقت في الثامنة او التاسعة من العمر ، فطلبت منها مرافقة البنات اللواتي في عمري الى الحمّام ووافقت ، وكانت معي صديقتي سهام واستيقظت وانا اشعر بالفرحة وبقمة النشاط لهذه المناسبة السعيدة وجلست على عتبة الدار فرأيت المقرء الملا شهاب يدخل إلى بيت السيد خليل الخشالي لقراءة القرآن لجلب البركة ، وانا انتظر بلهفة ومضت الساعات وجاءت صديقتي وذهبنا معاً إلى بيت العروس وسط الزغاريد ونحن نتهيأ للذهاب إلى الحمام مع المعازيم ، جاءت ام فاضل ووضعت فوق رأسي صرّة (بقچة ) وأخرى فوق رأس صديقتي سهام ، كانت الصرر تحتوي على ليفة وحجر اسود لتنظيف الكعبين وگرصة وهي دائرة بيضاء صغيرة تصنع في الشمال تباع عند الملا سلمان لدعك الوجه لازالة الشوائب والبثور وكيس اسود صغير تلبسه بكفّها المدلكة – وهي امرأة عاملة مهنتها الغسل والمساج – لتنظيف الجسم وبشطمال اي قماش احمر او ازرق فيه بعض النقوش الذهبية يلف على وسط الجسم ، ومشط مصنوع من الخشب وملابس للعروس بسيطة للاستعداد لليلة الحنة وطاسة مرسوم عليها نقوش مصنوعه من الصفر – النحاس – من الديار المقدسة تيمناً . وقنينة فيها ماء الورد وحجر اسود لتنظيف كعب العروس التي كنت أُشفق عليها لانها ستكون كالجمرة في إحمرارها نتيجة الدعك من قبل المدلكة واستخدام الماء الحار .

كان الموسم نهاية الخريف. فخرجنا بهدوء بعد أن وضعت ام فاضل الشمعة الكافور خلف الباب حتى لاتلفت انتباه المارة حيث كان الحياء سمة العصر ، وبيدها ادارت حبات الحرمل على رأس العروس وهي تقول ( نشرتلج بالله من عيني وعين خلگ الله وعين امج واباج عين العاينتج باليمين اشلعها بالسجين وعين اللي عاينتج باليسار اشلعها بالبسمار) وبعدها ألقت بالحرمل في المنقلة ورفعت العروس ذيل الفستان على دخان الحرمل ليحيط ببدنها خوفاً عليها من الحسد .

بعد هذه الطقوس ذهبنا جميعا إلى الحمام الواقع في احدى درابين منطقة القيصرية والعروس والمعازيم يمشون وانا وصديقتي سهام نمشي أمامهم والحمام المطل على شارع بيت ام ايشخان -غيّر ايشخان أسمه الى حكمت لبيب بعدما سافر الى الخارج واشتغل في السينما كما طرق سمعي – وصلنا الى الحمّام وعلى بابه ستارة سميكة تسمى الجدار وجلسنا على مصاطب تسمى(الدچة) وكان البخار على أشده ولايكاد يرى احدنا الآخر إلا بصعوبة بسبب الضباب (البوخة) ، جلسنا أنا وصديقتي وامتنعنا عن الغسل وكان ذهابنا للفرجة والمشاركة في الفرحة فقط ، خلعت العروس سواراً كان بمعصمها وكان قطعة من الذهب تسمى ( المنتشة ) وكان لايجيد صياغتها الا اثنان من الصاغه الحجي المصلاوي في بعقوبة وحسقيل الياهو في بغداد ووضعتها على حافة الحوض ونادت المدلكة لتضع الماء على رأس العروس وتقول باعلى صوتها ( العين من النار والماي يطفيها ) خوفا من الحسد وكررت هذه الجملة سبع مرات والتفت العروس إلى المنتشة ولم تجدها فحصل هرج ومرج وتعالت الاصوات بحثاً عنها ، هنا قالت صديقتي رأيت فلانة تاخذها أما أنا فاخذني النعاس والحر غلبني فأفقت وقلت لام العروس صديقتي رأت السارقة التي اخذتها وأشرنا اليها فقامت ام العروس بضرب السارقة التي لملمت اغراضها ، فخرجنا انا وصديقتي لنهرب خوفاً منها فما كان الا وتبعتنا ونحن نركض وهي تركض ورائنا لاننا كشفناها فقمنا بنزع القباقيب لكي لا تُثقل أقدامنا وأستمر الماراثون حتى اخر شارع الحمام .

خلال هذه المطاردة صادفنا ( سبيع ) وهو أحد الصالحين من أهل الله وكانت بيده حربة ، يااا ألهي ، وكنا كأطفال نخاف من حربته ، فقلت بنفسي سبيع من أمامكم والعدو من ورائكم ولا منجأ من الله الاّ اليه . هنا ظهر كلب من كلاب الشوارع وقام بالنباح ومطاردة المرأة السارقة ، شعرنا بالخوف وسط هذا التهديد الثلاثي ، فلمحنا باباً مفتوحاً تجلس أمامه أحدى العجائز ، فقامت بإجارتنا فإختبئنا خلفها حتى زال الخطر

والدتي كانت بانتظاري بعد أن سألت عن تأخيري وعرفت القصة ، أقسمت بعدها بأغلظ الايمان ألا اذهب الى اي مكان الّا وهي معي .

اترك رد