بين دموع عبد الناصر .. وصمود المقاومة .. ( رحلة عُمْر ) ـــــــ سعد علي مهدي

منبر العراق الحر :ب

كانت ليلة ً بائسة من شهر حزيران / يونيو سنة 1967 .. حيث جلست فيها بجوار والدي ( رحمه الله ) لكي نستمع الى خطاب جمال عبد الناصر كي يزف لنا خبر الانتصار على الكيان .. وكان عمري آنذاك ( 11 سنة ) .

مازلت أتذكر التفاصيل .. لم يكن التلفاز قد وصل الينا بعد .. وكان كل اتصالنا بأخبار العالم يجري عبر المذياع ( الراديو ) الذي لا  يهمّ أبي منه سوى أمرين (الأخبار وصوت أم كلثوم ) .

كنت أعيش مع والدي تفاصيل تلك الأيام الستة أولا ً بأول .. وكانت الأخبار تقول أن الجيش المصري قد زحف الى فلسطين مكتسحا ً الكيان .. وصوت عبد الحليم حافظ وهو يغنّي ( أبو خالد يا حبيب .. مصر ح تدخل تل أبيب ) .. أما إذاعة بغداد فقد أعلنت تلك الأيام خبرا ً مازلت أتذكره جيدا ً وهو ( وجّه الملك حسين نداءً عبر مكبرات الصوت الى سكان تل أبيب للاستسلام بعد أن وصلت القوات الأردنية مسافة 15 كيلو مترا ً عنها ) .

وجلسنا تلك الليلة الليلاء لنسمع أخبار النصر العظيم .. فكانت الصدمة التي لا يمكن أن أمحوها من الذاكرة .. فقد ارتسمت غمامة سوداء قاتمة على وجه أبي بعد أن سمعنا الخطاب معا ً .. وسمعنا بعدها نحيب رجل يبكي بحرقة .. فاستفسرت منه ببراءة طفل ( بابا شنو صار ) .. ليجيبني ( رحمه الله ) بصوت حزين ومكسور بثلاث كلمات فقط لا غير .. ( انتصر علينا اليهود ) .

لا أريد أن أتطرق الى التفاصيل بعد ذلك فهي مؤلمة .. وقد خففت من وطأتها حرب تشرين / أكتوبر المجيدة سنة 1973 حيث عبرنا أنا ووالدي بمشاعرنا قناة السويس وهبطنا على جبل الشيخ في الجولان .. حرب تشرين التي نعيش ذكراها هذه الأيام كانت ملحمة تستحق أن نقف أمامها بفخر ٍ واعتزاز .

أقول اليوم .. الحمد لله الذي أمدّ  بعمري كي أرى الكيان وأسطورة جيشه الذي لا يُقهر كيف يصارع لمدة سنة كاملة كي يعيد لنفسه وأمام العالم مجد انتصاراته السابقة التي ذهبت أدراج الرياح .

سنة كاملة وهو يقاتل لا جيوش نظامية .. وإنما تنظيمات مسلحة بالإسلام والإيمان بعدالة القضية .. سنة كاملة لم يحقق فيها أي هدف من أهدافه المعلنة .. ولم يفعل بترسانته العسكرية الرهيبة سوى قتل المزيد من الأطفال والنساء وتدمير البناء .. دون الوصول الى ما يريد .

لقد كان الكيان ومايزال ينظر الى العرب( سواء المطبعين أوالأعداء )على أنهم حفنة من البدو لا قيمة ولا أهمية لهم .. كل همومهم الجنس والنساء .. وأقصى إبداعهم في الشعر والغناء .. ولا يستحقون منه سوى الاحتقار والازدراء .

لم يتعودّ خوض حرب طويلة معهم .. فكل حروبه تستغرق بضعة أيام فقط .. أما وقد مضت سنة كاملة ودون أن يحقق من أهدافه شيئا ً .. فقد تيقن أن العرب قد تغيروا .. ولا عزاء له وللمطبّعين معه .

الحمد لله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أطلت عليكم .. فاعذروني

اترك رد