منبر العراق الحر :
هنا، على سطح هذا النهر الخالد كانت تطفو شموع الخضر، على ضفتي النهر تجلس النسوة في خط متعرج مع مسار النهر تحف بهن الصبايا، باقات دعاء ونذور وأماني حبيسة تخرج مع الأنفاس كأنها فراشات تحوم فوق النهر.
أحلام تمازج قصص التاريخ ورغبات تسرها البنات همسا لصينية زكريا، أصوات الصغار تردد بنغمة ثابتة، متوارثة، هي أغنية المواسم جميعها،
”يا زكريا عودي عليه، كل سنة وكل عام نسوي صينية”!
النساء، وبعد عام من الزواج دون حمل، يتسابقن ل”صينية” زكريا، وعلى إيقاع الدموع والتمني والنذور تقتفي أرواحهن أثر الدعاء عسى أن يأتي لهن الله بما كان مستحيلاً في دعاء النبي زكريا
”يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا.” *
وحين يجيء الولد بعد انتظار سنتين أو ثلاث، تضاف صينية أخرى مع كل موسم لزكريا.
براءات كانت تمضي بهدوء، وفي كل عام يتجدد الدعاء، كان الشاعر يقول؛ حلقت قصائدي في السماء، ولم تجد لها مكانا، فقد احتشدت بدعاء النساء، وكانت نساء العراق تكحل عيونها بسواد الدموع على الراحلين،
يا زكريا قد جاء الولد، وكبر ثم هرب خارج البلد،
شكرا لله يا زكريا، لقد شبّ الولد، وغاب في سجون البلد، كبر الولد وذهب للحرب، وأصبح نسياً منسياً.
أين الولد يا زكريا، وكيف اختفى البلد؟
يا زكريا عودي عليه، وكل سنة وكل عام نهدي صينية، ملبس وحنه وآس وشموع، مبللة بالدعاء والدموع، وما زالت مويجات النهر تأخذ الشموع الطافية على السطح بعيدا، وهي تشهد على وجوه الصبايا، كيف ينضج الهرم فيها، قبل مواسم حصاد الفرح!
*قرآن كريم / سورة مريم.
