منبر العراق الحر :
وقوع الظلم في أي مكان من هذا العالم يجب أن يستفز ضميرك ويوقظ فيك ما تبقى من إنسان.
فلا يهم جنس الضحية ولا لونها ولا عقيدتها ولا أفكارها ولا طبقتها الاجتماعية، لأن الإنسان حين يهان في أي بقعة من الأرض يهان معه جوهر العدالة، وتنتقص من إنسانيتنا جميعا ذرة من النور.
إن طلب العدالة لا يخص أمة دون أخرى، ولا ثقافة دون غيرها، بل هو واجب كوني يستوجب مقاومة عابرة للحدود ضد طغيان الشر. أن نكون بشرا يعني أن نرى في كل ألم إنساني انعكاسا لآلامنا الخاصة، وأن ندرك أن الحياد في حضرة الظلم ليس حيادا، بل تواطؤ ناعم يتخفى خلف العقلانية الزائفة.
قال مارتن لوثر كينغ:
“الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في كل مكان.”
وهذا القول لا ينتمي إلى السياسة فحسب، بل إلى الفلسفة الأخلاقية العليا، لأنه يعيد تعريف الإنسان بوصفه كائنا مسؤولا، لا عن ذاته فقط، بل عن النظام الأخلاقي للعالم الذي يعيش فيه.
كل قهر يمارس على كائن بشري هو قهر موجه ضد الفكرة الكبرى للعدالة. وليس من الشجاعة أن تطالب بالعدل فقط حين تكون الضحية تشبهك، بل حين تدافع عنه لمن يخالفك في اللون والعقيدة والرأي. فالعدالة لا تقاس بميزان الانتماء، بل بقدرتها على أن تعانق الإنسان من حيث هو إنسان.
الضمير الكوني لا يعرف الجغرافيا، ولا يسأل الميتافيزيقا عن جنس المقهور أو نسبه أو لغته. إنه وعي متصل بنبض الوجود، يرى أن كل ظلم على وجه الأرض هو شرخ في نسيج الروح البشرية كلها.
فالظلم لا يعرف العناوين، ولا يطلب جواز سفر ليعبر الحدود، إنه كائن غامض يعيش على صمتنا، ويتغذى من لا مبالاتنا، ويزدهر كلما ظن الناس أن الألم البعيد لا يعنيهم ما دام لم يطرق أبوابهم بعد.
حين يسقط إنسان في أقصى الأرض تحت وطأة القهر، ينبغي أن يهتز في أعماقنا خيط من الضمير، أن نشعر بأن شيئا في النظام الكوني قد اختل، فكل ألم إنساني هو صرخة في الوعي الجمعي، وكل صرخة لا تجد من يسمعها تنقص من إنسانيتنا قدرا.
الحقيقة الفلسفية الأعمق تقول إن العالم جسدا واحدا ، وإن الطعنة في خاصرة أي جزء منه توجع الكل، لأن الإنسانية ليست تجزئة بل كينونة واحدة.
ولنعلم جميعا أن العدالة ليست حلما طوباويا، بل هي المعنى الأسمى لاستمرار الحياة بكرامة. أما الفيلسوف الذي يدعي الحكمة ولا ينحاز للحق، فقد خسر دوره بوصفه ضميرا للوجود
منبر العراق الحر منبر العراق الحر