منبر العراق الحر :
نحو ثلاث ساعات، هي المسافة التي استغرقتها الرحلة من القاهرة إلى مدينة بورسعيد (شمال شرق القاهرة) ذهابًا ومثلها إيابًا، لزيارة سفينة الكتب «لوغوس هوب» التي تعد أكبر مكتبة عائمة في العالم وهي بمثابة معرض كتاب متحرك، والتي بلغ عدد زائريها بميناء بورسعيد السياحي الآلاف من كل الفئات والأعمار.
حطت “لوغوس هوب” رحالها في مدينة بورسعيد منذ 4 كانون الثاني/ يناير الجاري، قادمةً من بيروت، ومن المقرر أن تغادر الشواطئ المصرية يوم 23 كانون الثاني/ يناير إلى ميناء العقبة بالأردن.

أقسام “لوغوس هوب” وأسلوب العمل بها
تعتبر السفينة معرضًا عائمًا للكتاب وتضم أكتر من 50 ألف كتاب بلغات مختلفة، تجولت “النهار العربي” في أقسام السفينة، حيث يقع معرض كتاب السفينة في طابق واحد منها فقط، وهو الطابق الوحيد المتاح للجمهور الحضور فيه. وبمجرد الدخول تم توجيه فوج من الزوار للجلوس في قاعة على شكل قارب، حيث استقبلت إحدى الشابات المتطوعات الزائرين لشرح النظام المعمول به باللغة العربية، وهو نظام الاتجاه الواحد بمجرد الدخول من اتجاه لا يمكن العودة منه مرة أخرى، ولا بد من استكمال الرحلة حتى باب الخروج.
أول أجزاء السفينة التي يمر بها الزوار هو “معرض الكتاب”، ويضم قاعتين، تحتضن كتبًا باللغة الإنكليزية، ولغات أخرى، بجانب كميات محدودة من الكتب باللغة العربية، وتتنوع الكتب بين الآداب والعلوم والرياضيات والفلسفة والموسوعات وفنون الطهو وكتب الأطفال المصورة، بجانب الكتب الدينية، خصوصًا تلك المتعلقة بالديانة المسيحية، وأيضًا تتوافر نسخ من الكتاب المقدس “الإنجيل”.
ونظام السداد هو التسعير بالوحدات، وكل مئة وحدة توازي 60 جنيهًا مصريًا (نحو 2.2 دولار)، وتنتشر ورقة إرشادية بقيمة الوحدات على كل رف للكتب للمساعدة على تحويل الوحدات إلى الجنيه المصري، وهناك عرض خاص بالسفينة عند شراء حقيبة “لوغوس هوب” يمكن الحصول على كتابين مجانًا، وهو يعتبر عرضًا مغريًا قياسًا بأسعار كتب السفينة.
كما تضم معرضًا للصور المنتشرة عبر الممرات، والتي يحرص الزوار على التقاط الصور فيها، وهناك شاشات عرض صغيرة “التابليت” تضم حكايات مرئية، تقص الصور حكاية فتى غادر منزل أسرته وانحرف عن الطريق القويم عبر أصدقاء السوء، لكن عاد إلى صوابه في النهاية، وكانت تلك القصة المصورة جاذبة للأطفال خاصة.
ثم هناك مكان خاص بالأنشطة والعروض الموسيقية، وآخر أجزاء السفينة هو الكافيه “المقهى”، يحوي قاعة لجلوس الزائرين، حيث يمكنهم الاستراحة بعد جولتهم، وتضم قائمة بعدد من المشروبات والكوكيز، والقهوة وسندوتشات الهوت دوغ، وأيضًا الآيس كريم اللذيذ، وفيها “ركن الأطفال” حيث يجلس بعض الصغار للهو والتقاط الصور التذكارية.

لا ينحصر محتوى السفينة في الكتب، ولكن هناك أدوات وهدايا تذكارية تحمل شعار السفينة مثل قبعة تحمل شعار “لوغوس هوب”، سعرها نحو 240 جنيهًا مصريًا (نحو 9 دولارات)، وهي أسعار باهظة نسبيًا بالنسبة للجمهور المصري.
وعلى الرغم أنه من المعلن أنه يمكن استعارة الكتب وقراءتها على متن السفينة، إلا أنه لا إقبال على ذلك، كما أنه لا أماكن مخصصة للقراءة.
وفي قاعة المقهى، تنتشر بعض الصور الملائمة لثقافة المنطقة التي تحط بها السفينة، إذ ظهرت وجوه عربية وأخرى أفريقية.
يتنتشر المتطوعون من الجنسيات المختلفة بطول أقسام السفينة لمساعدة روادها، ويتعاملون بود بالغ، ويتبادلون أطراف الحديث مع أي شخص يود ذلك، ويجيبون عن أي استفسارات، وبينهم الشاب «ديبي» من بابوا غينيا، الذي يعمل متطوعًا على ظهر السفينة ومدة تعاقده معهم هي عامان، ثم سيعود أدراجه إلى بلده، وتحدث ديبي لـ”النهار العربي” قائلًا: “العمل كمتطوع في السفينة يكون مجانًا، وتضم السفينة أكثر من 400 متطوع، ينتمون إلى نحو 60 جنسية حول العالم”.
قاطعتنا إحدى الفتيات وهي تبادر بسؤال «ديبي» عن بعض الكتب، وطلبت مني الترجمة إلى الإنكليزية إذ سألته هل هناك نسخ متاحة باللغة العربية لكنه أجاب بالنفي.
لا يحب الكثير من المتطوعين التصوير من قبل الزوار، لكن ديبي رحب بتصويري إياه بسرور وبودٍ بالغ.
تتنوع الفعاليات والأنشطة في السفينة، فهناك إمكانية لممارسة اللغة الإنكليزية، لكنها بتوقيتات محددة معلنة ومجانية، كما تقام حفلات موسيقية وعروض فنية وهي برسوم مختلفة عن تذكرة السفينة، وهناك أيضًا حلقات نقاشية بعنوان hope talks.
تنتشر صناديق لجمع التبرعات في السفينة، وكان فيها الكثير من العملات المصرية، وأخبرتني إحدى المتطوعات أن هذه التبرعات تذهب للفقراء وتوفير الغذاء والمياه النقية لهم، وأوضحت أن التبرعات تذهب للدولة التي هم فيها، وأن التبرعات الحالية التي جمعوها في بورسعيد ستخصص لهذه الأغراض المذكورة في مصر.
“لوغوس هوب” تخيّب آمال المصريين
ثمة إقبال كبير من المصريين، سواء من محافظة بورسعيد أو خارجها على زيارة السفينة بأعداد ضخمة، كما تنظم العائلات والجامعات وكثير من المؤسسات رحلة للمكتبة العائمة، لا يمكن تفسير ذلك أنه شغف بالقراءة بقدر الرغبة في خوض هذه التجربة الجديدة على كثير من المصريين، خصوصًا أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في الدعاية للسفينة، كما أن سعر تذكرتها الزهيد (فقط خمسة جنيهات مصرية) يعد حافزًا لخوض هذه التجربة غير المكلفة.
كانت طموحات البعض بالنسبة إلى السفينة كبيرة، لكنّ حجم الدعاية للسفينة لم يرق لتوقعات بعض زوارها، إذ صُدموا من صغر حجمها، فالجولة بها قد لا تستغرق نصف ساعة، وبعضهم يرى أنها تحظى بضجة مبالغ فيها، والكتب ليست بالتنوع المعلن عنه، وحتى المحتوى ربما لا يناسب الجمهور العربي، فهناك القليل من الكتب المترجمة إلى العربية، وُضعت في الصدارة ربما لاجتذاب الجمهور الناطق بالعربية لكنها تظل غير كافية. وأخذ بعضهم يقارنها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وبالتأكيد هي مقارنة ظالمة.
ومع ذلك، يبقى معرض السفينة بمثابة نزهة ويوم ترفيهي، سواء للأطفال مع عائلاتهم أو المجموعات المختلفة، والتقاط الصور التذكارية، وهي فرصة ربما لن تتاح لهم سوى بعد سنوات طويلة، فآخر مرة زارت “لوغوس هوب” مصر كان في نهاية عام 2010.

اتّهامات بالتّبشير
طارد السفينة كثير من الأقاويل والتحذير من زيارتها من بعض متطرفي الرأي، ودعوات لمقاطعتها بدعوى أنها “سفينة تبشيرية”، وأن المؤسسة التي تقوم عليها هي مؤسسة مسيحية تمارس التبشير، وما ساهم في رواج هذه الشائعات أن السفينة تضم الكثير من الكتب عن الديانة المسيحية، وأيضًا نسخًا من الإنجيل، رغم كونه أمرًا مألوفًا من مكتبة تأتي من دولة مسيحية، وهو محتوى سيكون مفيدًا للأسر المسيحية المصرية للشراء والاطلاع.
فمصر دولة فيها الملايين من المواطنين المسيحيين، ولا يمكن أن نغفل أن السفينة تضم محتوى آخر متنوعًا من الكتب والمراجع، وحتى معرض القاهرة الدولي للكتاب في مصر، يضم دور نشر مسيحية تعرض كتبًا تخص الديانة المسيحية، فالتنوع في الكتب هو أساس أي معرض للكتاب، وهو ما ينطبق على معرض كتاب السفينة “لوغوس هوب”.
كما أن الوضع على السفينة يدحض الاتهامات بالتبشير، فلا أحد من طاقم السفينة يحدثك عن المسيحية أو مميزاتها، أو يدعوك لاعتناقها، الطاقم غالبيته من الشباب دون الثلاثين وهم لمساعدة الزوار والإجابة عن أي أسئلة فقط، وهي غالبًا ما تنحصر في السؤال عن الأسعار أو كيفية التطوع للعمل على السفينة.
واجهت “لوغوس هوب” الاتهامات نفسها خلال زيارتها ليبيا، حيث حذر مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية ببنغازي على صفحته في “فايسبوك” من زيارتها تحت دعوى أنهم يقومون بتنصير المسلمين وليس هدفهم نشر العلم والمعرفة، وفقًا لبيان “مكتب الأوقاف ببنغازي”.
نهاية الجولة
في نهاية الجولة، بابتسامة بشوش يقف عبد الباقي على باب الخروج في وداع زوار السفينة، وهو شاب من جنوب أفريقيا، يعمل متطوعًا مع “لوغوس هوب”، تجاذبت معه أطراف الحديث باللغة العربية التي يجيدها بطلاقة، إذ تحدث لـ”النهار العربي” مفسرًا أسباب إجادتها التي تعود لأنه عاش جزءًا من حياته في بعض الدول العربية وبينها لبنان، كما أنه مكث 6 أشهر في حي مدينة نصر بالقاهرة قبل أعوام عدة، وعبر عن سعادته بزيارة مصر مجددًا.
وقال: “هناك 5 فقط على متن السفينة من بين طاقمها ومتطوعيها يتحدثون العربية ويساعدون في الترجمة في الدول العربية التي ترتادها السفينة”.
وكشف عبد الباقي أنه تطوع في العمل على السفينة عبر التقديم من خلال الموقع الإلكتروني، وقال “يجتذبني العمل التطوعي على متن السفينة، إذ أحب مساعدة الناس، وتعاقدي مع السفينة لمدة عامين، وعملت من قبل مع منظمات دولية لكن لم يكن عملًا تطوعيًا”.
يلتف الكثيرون من الشباب والفتيات المصريين حول عبد الباقي لتبادل الحديث معه بالعربية، والاستفادة من تجربته على متن السفينة، وكيفية تطوعه، إذ يبدو أن التجربة حفزت كثيرًا من الشباب المصري للتطوع وخوض مغامرة جديدة عليهم، ويخبرهم عبد الباقي أن ثمة أقسامًا لا تتطلب إجادة اللغة الإنكليزية، لكن الحضور في معرض السفينة يتطلب إجادتها.
عن “لوغوس هوب”
تجوب السفينة العالم على مدار العام، حيث تتوقف في كل ميناء نحو 25 يومًا ثم تبدأ محطتها الجديدة، وحاليًا تواصل جولتها في الشرق الأوسط، فهي قادمة من لبنان ورحلتها المقبلة إلى الأردن ثم الإمارات العربية المتحدة ومن ثم إلى المنامة في البحرين، وبعدها الدوحة ثم مسقط وصلالة في سلطنة عُمان.
زارت السفينة أكثر من 480 ميناءً مختلفًا، في أكثر من 150 دولة، واستقبلت أكثر من 49 مليون زائر على متنها، بدأت أولى رحلاتها عام 2009. المكتبة العائمة تديرها مؤسسة خيرية ألمانية غير هادفة للربح، لكنها تسعى لبث الأمل والوعي وتبادل المعرفة والثقافة.
“لوغوس هوب” تحمل رسالة سلام إلى العالم، هذا ما قاله المدير العام للمؤسسة إدوارد خلال مؤتمر صحافي عُقد على متن السفينة، مؤكدًا أنّ الهدف من ورائها هو تكريس الجهود لمشاركة المعرفة والأمل مع الشعوب في جميع أنحاء العالم.