منبر العراق الحر :
لاأعرف لماذا يسكنني هاجس ما يقول : أنك لاتستطيع أن تكتب رواية إلا عندما تتخيل أنكَ تراها . وعلى هذه الرؤية ، ومثل الذي تسكنه رعشة قبلة من ممثلة سينمائية مشهورة كانت بداياتي الكتابية تضع هذا التصور في تفكيرها حتى من دون أن اشعر فيه ، ولا اعتقد أبدا أن روائيا سينجح ويصبح شهيراً دون أن يكون صباه وطفولته مسكوناً بخيالات السينما ورواياتها ، لأني اعتقد إن معظم الروايات الخالدة في التاريخ منذ حرب طروادة وحتى رواية ماركيز في ساعة نحس تم تحويلها الى افلام سينمائية .
كنت في في الثالثة عشر من عمري عندما أصطحبني أخي الكبير المرحوم ( عبد اليمة / 1953 ــ 2008 ) لمشاهدة الفيلم الأيطالي ــ الفرنسي ( ساكو وفانزيتي ) والمنتج عام 1971 .أخراج جوليانو مونتالدو وبطولة جان ماريا فولونتي .
أتذكر الزحام الهائل على شباك قطع التذاكر في سينما الأندلس في مدينة الناصرية ( ( 360 كم جنوب بغداد / على مقربة منها ولد النبي ابراهيم ، والرسام الكارفيتي المدهش فائق حسين والمطربون الاسطوريون داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ، وفيها أسس فهد الحزب الشيوعي العراقي ، وفيها ولد ثلاثة من رؤساء وزارة العهد العراقي الجديد عبد المحسن السعدون وصالح جبر وناجي طالب وفيها ولد ايضا واحد من كبار كتاب الرواية العراقية عبد الرحمن مجيد الربيعي )) .وكان الحضور خليط من كل شرائح المجتمع وكأنهم بأصرارهم للحضور في العرض الأول يريدون تكريم هذين الكادحين الايطاليين نيقولا ساكو وبارتيليميو فانزيتي واللذين هاجرا الى امريكا ولينتميا الى حزب يطالب بحقوق العمال مما ازعج السلطات الامريكية ليفبركا لهما التهمة المعروفة ، تهمة قتل الصراف وحارسه وليدفعا الثمن ( الأعدام ) وهما جالسين بصمت وكبرياء على الكرسي الكهربائي.
مازلت أتخيل وجهي ساكو ( صانع الأحذية ) ورفيقه فانزيتي ( بائع السَمك ) بوجيهما الحاديّْ التقاطيع والنظرات الغريبة والمليئة بتساؤلات جبروت يدل على براءتهما ، مما الهم هذا الكثير من كتاب العالم المتحضر لينشدوا بأسمها القصائد ويكتبوا القصص والمسرحيات . وكما شرح لنا معلمنا في الصف السادس الأبتدائي عندما عرف أن نصف الصف ذهب لمشاهدة الفيلم قال :هذا درس للحرية والحياة والمواقف العظيمة .ما شاهدتموه يمنحكم ثقافة واحلاما واخيلة ومواقف اكثر نفعا بألف مرة من قصص محمد عطية الابراشي التي تملأ مكتبة المدرسة بقصص العفاريب وخرائب الاهرامات والجنيات. أنتم تحتاجون الى الواقع أولا ومن ثم تستعينوا بالخيال.
بعد ستة اعوام من اخراج هذا الفيلم وفي عام 1977 أعلن حاكم ولاية ماساتشوستس في تصريح رسمي براءتهما. لأكتشف ومع كلام معلمي أن الحرية عندما تدان ويقاضونها ظلما فأن براءتها دائما ترتهن بأعتراف متأخر من ضمير التأريخ . وخاطرة المعلم هذه وحدها من أسكنت في الرغبة لأروي مع نفسي حادثة اعدام ساكو وفانزيتي بطريقتي الخاصة.