الخوف من الخائف ….كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
اصعب ما يواجه اي مجتمع عاش لسنوات طويلة تحت القمع والخوف والسجون والاضطهاد والحصار‘ والدمار والقصف والحروب والتلقين والانتقام والكراهية ‘ والفساد ‘ هي الحرية ‘ خاصة حرية التفكير والتعبير التي ترتبط ارتباطا جدليا بالوعي لان منح الحرية في هكذا ظروف وبشكل مفاجىء ومباغت قد يقود الى فقدان المجتمع لتوازنه. لان كمية الخوف التي كان يعيشها المجتمع هائلة وخطيرة حيث لا توجد اي ضمانات دستورية للمواطن ‘ حيث نزعة قتل المختلف وفكرة السجن والاعتقال والموت والتطهير السياسي والتوجس من كل شي هي الصفة الغالبة على ذلك الزمن . حتى قيل للدكتور علي الوردي مرة ‘ هل تخاف من نظام صدام فأجاب : كيف لا اخاف من اناس هم خائفون اصلا. لذلك فأن الانتقال من الخوف الى الحرية مغامرة كبيرة ‘ كيف للانسان الخائف ان يقفز مباشرة الى فضاء الحرية ويستوعبها ويعيشها ثم يتوازن وهو اساسا يخاف من مواجهة نفسه حتى اصبح الخوف والريبة من ثوابت الانسان العراقي ويتجلى ذلك من خلال الخوف من الفرح ‘ الخوف من العتمة ‘ الخوف من القلق ‘ الخوف من الشرطة ‘ الخوف من البيانات ‘ الخوف من الخطابات ‘ الخوف من كل ما هو قادم . كيف له وهو المكبل بكل هذا القدر من الخوف المزمن ان يتعامل مع الحرية اذا لم يكن هو بالاساس حرا من الداخل. المشكلة انه في زمن المقبور صدام كان هناك عدو واحد لنا هو نظام البعث مارس وحشيته علينا لاكثر من اربعين عاما ‘ وخلال صراعنا الطويل والشرس مع السلطة لم يكن من السهولة تحرير الارض والمؤسسات والثروة ‘ لكن الم يكن ممكنا تحرير العقل على الاقل من القناعات الجاهزة والاوهام ‘ لم يكن لدينا رؤية موحدة ولا مشروع سياسي متفق عليه . كان كل واحد يغني على ليلاه . اصبحنا امام معركة اخرى وهي معركة الوعي والمعرفة وهذه المسالة فيها خط نفسي فاصل بين وعي وادراك النفس والتغيير وبين البقاء والعيش في الماضي.الذي يحصل لدينا ان النخب التي يفترض انها تقود المجتمع تعيش حالة من ( الكمون ) والتوجس وهي قلقة من ان تعبر عن نفسها . والمواطن العادي لم يصل بعد لمرحلة فهم المأزق والمشكلة التي تحيط به ( من حيث ان فهمه ومعرفته بالمشكلة هو بداية الشروع بالحل ) . لكن الحقيقة تقال ان النموذج الانساني الشائع في واقعنا هو ( الوقح والمتطرف والمتغطرس والبذيء ) وهكذا تحاول الثقافة الاجتماعية ان تفرز لنا نموذجا منحلا وليس نموذجا معرفيا رصينا. نوعية القراءة السائدة لدينا هي قراءة سياسية سطحية وليست قراءة قائمة على التدبر. القران يشير لذلك في قوله ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) وهي دعوة للتفكر والحوار والعلم والمعرفة فكان اهم مشروع للرسالة السماوية من خلال اول اية قرانية وهي ( اقرأ ) . وعليه لابد للمجتمع ان يتسلح بالمعرفة والفهم والتدبر والقراءة والنقاش والحوار والنقد لكي ينتصر على التحديات التي تواجهه ( بمعنى طرح الوعي كحل امثل ). وحين تحقق ذلك سيتغير الواقع العام للحياة ايجابيا وهذا ما يقود الى دورات من التصحيح السياسي والثقافي والاجتماعي وعلى كل الصعد الانسانية الاخرى . اذن يبقى منبع التفكير الاساسي هو ايمان الانسان بحرية فكره وعقله لانه عندما يتحرر فكريا يستطيع ان يخلق فهما لطبيعة علاقته مع الاشياء التي يتعامل معها.

اترك رد