أعوام الرماد …كريم خلف الغالبي

منبر العراق الحر :

ما أشبه واقعنا بالأحلام ، الأحلام قصصٌ مبتورة ومشاهد تبحث عن نهايات ، النهاية حدٌّ فاصلٌ ما بين اليقظة والنوم ، لحظة لا أحد يفهم تفسيرها ، إنها ذلك الآن الذي لا آن له ، مقياسُ زمنٍ معدومٌ زمنه ، كثيرة هي الأشياء التي لن تجد لها حلا إلاّ في عالم آخر ، كتلك القصص في الأحلام ، تبحث عن نهاية لها في عالم ليس عالمها ، تحتاج الى مفسر يؤمن بالغيب ، يراها في مرآة تعكس تلك الصورة التي لا وجود لها في المرآة إلا على الواقع ، المترجمون الذين يستبدلون كلمة بأخرى اغبياء جدا ما لم يترجموا الإحساس ، ومن ذا الذي يستطيع ذلك ؟ فإن فعل أحدهم أما أن يكون ماردا شيطانا او مجنونا فتانا ، الإحساس هو شعور بالمتعة واللذة أو بالحزن والألم ، هو لغة بلا كلام وعزف بلا قيثارة ولا أوتار ، نغم شارد في خيال من ليس لهم عقول ، وصخب تجمد في أوردة من لا دم فيهم ينبض .
مرَّ من فوق ذلك الجسر الذي لا ينحني أكثر مما أريد له ، فللإنحناء حدود لا تتجاوز معامل المرونة في الحياة ، ولا عيب على من استقام ، فلربما ينحني أكثر وأكثر ، مثل انحناء ذلك الخط الأحمر الذي يحيط بقرص الشمس ساعة غروبها ، لقد بالغت تلك الشمس في حنوها حتى اعتلى عليها ظهر ذلك الجسر ، أراد أن يحسب كم هي عدد المرات التي مرَّ بها من فوق هذا الجسر ؟ أنّى يكون له ذلك ، وإن حصل فسوف لن يحصل على معادلة حسابية ذات فائدة مرضية ، أراد ان يتذكر وجها واحدا من الذين لم يعرفهم انذاك ، كي يعرّف العالم به ، لكنه فشل في تصور ومعرفة أي الوجوه يريد ، فسوف لن يستدل على معرفة وجه لا يعرفه حتى وإن لاحت أمامه وجوه كل هذا العالم ، ما بين الأسود والأبيض وما بين الليل والنهار هناك لحظة رمادية ، لحظة مكاشفة ما بين من لاذ وراء حجب الليل وبين من هم لازالوا في النهار ؟ ، تمنى لو أريكة هنا في منتصف الجسر يتكأ عليها كي يستعيد انفاسه التي تراكضت نحو المجهول ، هل ما حدث في الماضي أصبح مجهولا أم من لم يحدث بعد هو ذلك المجهول ؟ وهل هو معلومٌ جهله الآخرون أم إنه شيء لا وجود له ؟ وضع ذراعيه على سياج الجسر ، يمينه تشير الى الشمال ، وشماله تشير الى اليمين ، وعينه تراقب آخر نقطة من قرص الشمس ، وعليه أن يحدد اتجاهها عسى أن تكون هي نفسها عندما تتعاقب الأيام والدهور ، لكن فكرته تلاشت وخابت عندما نظر الى موجات النهر ، وأراد أن يحدد أحدى الموجات ، ليرى إلى أين تصل تلك الموجة ، أيقن أخيرا أن التي يرى هي غير التي يرى ، وكذلك هو ، إنه ليس هو وإن حافظ على شكله فخلايا جسمه في تبدل مستمر ، فأين يجد ذاته في غير ذاته ؟
عندما تلاشت ظلال العابرين الذي يمرون في ذلك الظلام ، تذكر فتاةً مرّت أمامه في ذلك اليوم وفي تلك اللحظة ، تمشي متبخترة بقوامها الممشوق وحين ابتعدت بضعة أمتار تمايل ذلك القوام عندما اقتلعت حفرة تصريف المياه كعب حذائها ، لكنها لم تتوقف استمرت في المشي تتظاهر كأنها عرجاء ، صاح عليها أن تتوقف وأمرها بقلع كعب حذاءها الاخر لكي لا ينحني ذلك القوام .

اترك رد