غريب بلا شاطئ ….كريم خلف الغالبي

منبر العراق الحر :
انسابت دمعتان يتيمتان على خديه المتورمين ، وهو يمرّ في الشارع الوطني الموازي لشط العرب ، شارع فقد وطنيته وملامح شبابه ، عبثت بجسده مئات القذائف التي سقطت عشوائيا ، وداست على أرصفته اقدام عارية وأخرى ملبّدة بأحذيةٍ جلدية مدبوغة بأنفاس حرفيين بعضهم يقطن في فندقٍ متهالك يتوسط البتاوين في بغداد ، جالت في نفسه تساؤلات كثيرة عن الأماكن وعلاقتها بالزمن ، فهل تشيخ تلك الأماكن مثلما يشيخ الإنسان فتفقد نضارتها ؟ أين ذلك الضجيج والزحام وموظات الملابس والمطاعم ودور السينمات ؟ التي ترن اجراسها معلنة خروج أو دخول موجات من الرواد الذين تحتشد في رؤوسهم مشاهد وقصص لا حصر لها ، أين أولئك المتفيهقون الذين يرسمون حواف وأسوار ورؤى لم يحسبها مخرجو أفلام هوليود ؟ أين المحلات الخالية من الأجساد ؟ كيف ترتديها تلك الهياكل الميتة الموقوفة بلا وقف مشروع على الأرصفة قبالة تلك المحلات ، أين استوديو الجامعة والصور ذوات القبعات السود ؟ أين صورة تلك الفتاة بابتسامتها العريضة وهي تنظر إليك بجميع الاتجاهات ؟ وكأن نظراتها تطاردك في كل أزقة وشوارع البصرة ، تيقن أن كل الأماكن لابد لها أن تشيخ ، البيوت ، الشوارع ، المحلات والحدائق ، ولابد أن تدفن مع اهلها في ذاكرة المدينة ، تماثيل قادة الحروب سقطت في شط العرب ، أما تمثال السياب والفراهيدي وغيرهم ممن خدم الإنسانية مازالا يغازلان مولات البصرة وجسورها المعلقة ورصيف شط العرب ، لقد تبدل كل شيء حتى أنا انظر الى نفسي ليس أنا ، أنني ذلك الغريب الذي يمشي على آثار حروف قصائد السياب التي تركها على شاطئ الخليج .

اترك رد