منبر العراق الحر :
ترك الجزء الأول من مسلسل خان الذهب بصمة في قدرة الدراما العراقية على محاكاة واقع التدهور الأخلاقي الذي أصاب المجتمع العراقي في الآونة الأخيرة، وسيطرة نوازع الإنتقام والشر بسبب دوافع الكسب المالي غير المشروع، ورغم غياب الكشف عن أسباب هذا التدهور وكيف تحول المجتمع العراقي لهذه الدرجة من التوحش الذي ينتهي لجريمة قتل الأخ والتآمر عليه، فقد شفعت له بعض الألتماعات الفنية في الإداء الجميل لممثلين عراقيين كبار أمثال سامي قفطان وطه علوان وأميرة جواد وسارة البحراني “صابرين” كما قدم الشابين غسان بشخصية “سالم ” وسيف بشخصية “أمير ” مستوى من القناعة والقبول .
مازلت اتذكر مسلسل ” الذئب وعيون المدينة” وجزئه الثاني” النسر وعيون المدينة”، وفائض الإبداع لكل من المؤلف عادل كاظم والمخرج إبراهيم عبد الجليل ، بتوظيف صراع الشخصيتين الرئيستين خليل شوقي بشخصية عبد القادر بيك ، وبدري حسون فريد بشخصية ” إسماعيل الچلبي “، اللصان الشريرات وكيف تحولا إلى شخصيات في صدارة المجتمع، والشخصيات الأخرى التي تقابلهما “غفوري ” المبدع سليم البصري والعربنچي ” أبو عطية” المبدع سامي عبد الحميد، و”كمرة” المبدعة سناء عبد الرحمن في حبكة الصراع الدرامي المنطوي على تقنية حسية عالية في بناء الشخصيات وادائها والمناخات التي تحيط بها في حياة المحلة البغدادية .
كنت أُجبر نفسي على مشاهدت مسلسل “خان الذهب ” بجزئه الثاني ،إنتاج قناة أم بي سي عراق التي عملت على استثمار نجاح الجزء الأول، لكن الخطأ المركزي الذي وقع فيه المسلسل إن ذات الشخصيات قدمها بعمر أكبر من عمرها في الجزء الأول ،بينما الأحداث تدور في ماضي الجزء الأول وكان يفترض أن تظهر بعمر أصغر .
*المسلسل يبحث في واقع حياة عراقية لكنه تجرد كثيرا عن ملامحها وصفاتها وآثار الواقع عليها، فهل يعقل أن يسكن تاجر ذهب كبير في محلته الشعبية القديمة ؟ وينشغل أبناء التاجر في أمور ثانوية بالحياة ، خصوصاً وإن هكذا مستوى من الثراء يُهدد أصحابها بالخطف والإبتزاز ؟ دراميا كان المؤلف يجهز الأدوار من مختبر خياله وأفكاره ويلويها لتطابق المسار الذي يريده وليس مايقترحه الواقع .
*شخصيات ظهرت واختفت دور أن تؤثر في الأحداث، مثل شخصية ” العم أحمد” الفنان حافظ لعيبي الذي ينتحر بعد خلافه مع شقيقه سامي، كذلك شخصية والد حياة الفنان عزيز خيون وأخرى كانت حشو زائد يمكن أن تشطب دون تأثير على خطوط الحبكة التي وجدناها تتقطع وتتبعثر بأحداث عديدة تحشر دون عناية أو تركيز لأثرها الاجتماعي، مثل المتاجرة بالمخدرات وأثارها التدميرية للمجتمع العراقي .
*واقع الحامعات الذي جاءت أحداث المسلسل بعرض جوانبه السلبية فقط وتجرد عن واقعية الحياة الجامعية بأوجهها الإيجابية، فلم نشاهد محاضرة تدريسية تؤكد إن مايجري هو داخل جامعة، وقد غاب أي نشاط علمي أو ثقافي أو أدبي عنها، صحيح إن مستويات التدني بلغت درجة مأساوية من التراجع في التربية والتعليم خصوصا الجامعات الأهلية، لكن أن تتحول الجامعة إلى نادي للعشاق والعلاقات العاطفية والتصادم والعناق وسط ساحاتها فهذا أمر معيب ويعطي انعكاسات سلبية عن واقع الجامعة العراقية !؟
*تلبست المسلسل نزعة الميلودراما الهندية في أحداثه التي تطفو على سطح تراجيديا عاطفية دون أهداف تطهيرية، وهو ماظهر في إداء بعض الممثلين الكبار سامي قفطان وأميرة جواد و حافظ لعيبي وطه علوان وكذلك غسان ، وترفده أغنية حزينة بصوت رحمة أحمد تكرر يوميا في مقدمة وختام كل حلقة مايجعل المشاهدة تترسخ بجو من الكآبة لاتنسجم مع أجواء رمضان ، خصوصا وإن وقت بث البرنامج بعد الإفطار أي وقت راحة المتابع لبرامج ومسلسلات رمضان .
*التأليف والإخراج وضع ممثلات واعدات مثل أميمة جواد الشكرجي و الأخريات في قوالب ومساحات ضيقة ومحدودة، وهناك هفوات كثيرة لم ينتبه لها ال ” الكلاكيت ” في الأزياء وموديلات السيارات واللهجة .
*أما الأخراج فقد أتسم بالسكونية واكتفى بملاحقة حركة الممثلين وانفعالاتهم دون تعزيز فكرة المسلسل بمرموزات أو دلالات لواقع عراقي حيّ بل حركة ميكانيكية لكاميرا غير منفتحة على واقع بتفاصيله الدرامية الكثيفة في الشارع العراقي .
*ختاما أود أن أذكر الأخوة القائمين والمشتركين في المسلسل أن غاية الفن ليس تصوير الحياة الواقعية، وإنما إعادة خلق الحياة وفق رؤية فكرية جمالية عالية وبديلة عن الواقع ، عندها يكون الفن وسيلة الإبداع بهدف التغيير .
