بمناسبة يوم الشاي العالمي ..( كيتلي جلجامش ) ….نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :

سمعت بكلمة كيتلي عند المعدان وقبلها سمعتها في بيتنا وأنا اراه على منقلة الجمر في شتاءات الفقر الباردة ، وبعدها كنا في الجيش نحمله كضرورة قصوى من متاع تنقلات الوحدات بين الجبهات ، وحملتها معي في الغربة لأنها توفر لي متعة احتساء الماء النبيل ( الشاي ) .
والكيتلي كلمة انكليزية وهو الاناء المعدني الذي يعمل فيه الشاي وكان يستخدم في المقاهي لتسخين الماء فقط أما الشاي فيصنع على آنية أخرى مصنوعة من الخوف الصيني ويسمى القوري .
لكننا ايام الجندية كنا نعمل الشاي بالكيتلي لأن القوري سهل الكسر فيما الكيتلي من معدن ولايتأثر ، ومع مرور الزمن تطورت جماليات صناعة الكيتليات المعدنية وصار تخدير الشاي بها شائعا حتى في المقاهي ويكاد القوري أن ينقرض وصارت المقاهي العريقة تضعه ديكورا فوق الاماكن التي يصنعوا بها الشاي .
في غربتي وحتى اكون ملازما لتلك الايام الشرقية في القرية السومرية ( أم شعثه ) اشتريت كيتلياً تركياً لأن الدكاكين العربية هنا لا تبيعه ، ولهذا وانا اشم عطر الشاي السيلاني اتذكر شهية السلطان العثماني سليمان وهو يحتسيه لتمر امامه الجواري الحسان من كل مكان ومع كل رشفة شاي يختار واحدة تقضي معه متعة احتساء الشاي الذي يجلب للحاضرة السلطانية مجانا لأن الهند اصبحت من ممتلكات دولته.
انا مع كل رشفة أختار ذكرى للذي كان في أماسي سهرات الشاي في القرية التي تقع فيها مدرستي ، كان عندنا كتليا نسميه ( كيتلي جلجامش ) وتلك التسمية اطلقها احد المعلمين في اعتقاد منه أن جلجامش في رحلته الطويلة من اجل الحصول على عشبة الخلود اعطته أمه ( كتلياً ) وقالت : وقت ما تجد العشبة الخالدة ضعها في هذا الكيتلي وسخنهُ واشربه لتصبح في نشوة طعم الشراب تمتلك الروح والجسد الأبدي.
وكان يقول اجعلوا : السخام الاسود يكسوه من تحت فقد كان اناء جلجامش بسبب كثرة التخدير عليه في مسافة الطريق ممتلئ بالسخام ، ويوم تعذر عليه الحصول على العشبة الخالدة ، وضع دموعه بدلها في هذا الاناء وشربه ، وربما كانت الدموع اول شاي يحتسيه الانسان لينسى همهُ .!
المعلم أسطرَ لجلجامش حكاية أخرى من وحي خياله وهي اليوم تعيش في خاطر التذكر كلما اعمل شاياً لطقوس الكتابة او عندما يزورني الاصدقاء ، وربما بسبب كيتلي جلجامش عشت لحظة النشوة والتخيل وانا اضع مسودات رواياتي وقصائدي وبين لحظة واخرى اتذكر تلك الليالي التي كان فيها خيال ملك اوروك يطوف في نشوة رؤوسنا فنسمع صدى الحنين في حنجرة وردة وزهور حسين ووديع الصافي . فيقول المعلم مكتشف كيتلي جلجامش : لقد اصبح الملك السومري يسمع هذه الاغاني بفضل هذا الكيتلي حتى لو كان مصخما ومخسوفاً مثل السكراب.
ذهب طعم ذلك الشاي في ليل الاهوار ، ذهب عطر الهيل معه ومتعة سماع الاغاني بالراديو القديم ، ذهبت تلك السكرة الفاتنة ونحن ننتشي بأرتشاف الماء المتلون بين السواد والحمرة ، حيث تعدل رؤوسنا وحيث نسمع صدى تلك النشوة في بيوت المعدان وهم يحتسوه فقط ليطردوا تعب النهار وليس لديهم هموما مثلنا ليطردوه فحياتهم تكاد ان تكون خالية من الهموم.
وهم عرفوه مع مجيء الجنود الهنود في الحرب الكونية الاولى ، ومعه عرفوا الكيتلي الذي وجدوه في اسواق المدن الحضرية التي تقع على حافات الاهوار والقريبة منها .
لهذا يقول المعدان :الشاي والتتن دخل رؤوسنا قبل ان تدخل لها حروف الكتابة.
الآن بسبب العولمة وسقوط الطغاة دخل الى رؤوسهم كل شيء حتى الصحون اللاقطة ، ولكن الكيتلي الذي كنا نخدر عليه ليالي الشاي الاسطورية بقي دون أن ينقرض ويختفي من شوارع رؤوس المعدان ربما لآنه ارتبط بجمال مشاعره وغرامه وكتاباته بأسم ملك سومري اسمه جلجامش…!
لا يتوفر وصف للصورة.

اترك رد