منبر العراق الحر :
يوم أردت أن أؤلفَ كتابا عن الطين ، أشار أليَّ احدهم أما أن اقرأ عن شبام ــ حضرموت أو أذهب اليها ، وعلى حد قوله ليس طين الاهوار فقط من له عطر آدم ومن تناسلوا بعده من الانبياء ، بل طين حضرموت أيضا والوارد اسمها في سفر التكوين بأسم ( حضرمافيث ).
وقال لي هناك في شبام حضرموت ، تجد عماير الشاهقة وستحن الى الطين والقصب ومن كلهما ستستعيد صورة حضرموت وصورة قرية أم شعثه وستبني للطين خيالا وستكتب كثيرا وستعيد صدى حلم تزاوج الامكنة منذ أبد الانبياء يوم سمعت من شغاتي قولا : التمن سميناه بسبب اليمن ، والمبخوت من يزور مكة والمدينة واهل البيت وحضرموت.
ضحكت وقلت :من اين لك هذا ، انت تصطنع بدعا لا يعرفها المعدان .؟
قال :نعم امس تمتعت ببيوت حضرموت في ما نشرته عنه مجلة العربي الذي وجدتها متروكة في الادارة وانت في الصفوف.
ويومها كان عامل الخدمة في مدرستنا قد تعلم القراءة والكتابة واستمتع باستطلاع مجلة العربي الكويتية عن شبام وحضرموت ومدن الطين.
قلت : لا ينفع ان تكتب عن طين حتى تشمه وتلامسه اصابعك . ولهذا حين اتجول قرب ضفاف بحيرة الحديقة العامة في مدينتي الالمانية والمس الطين بأصابعي فلا اجد ما يعيدني الى تلك البرودة واللمعان والطراوة في ذلك الطين الذي كان يلامس ماء الاهوار على ضفاف القصب وقيلولة الجواميس .
سألت صديقا : كيف الوصول الى حضرموت .؟
قال :تحتاج الى فيزا من سفارة اليمن في برلين وحتى اسهل عليك الأمر الشاعرة أمل الجبوري تعمل موظفة فيها.
قلت : هذا جيد أم فرات تتصل بي دوما حول امور تخص مشروعها في ترجمة ادباء نوبل من الالمان الى العربية وقد كلفتني لأراجع بعض الترجمات في بناءها اللغوي العربي.
وحين اتصلت بها ، لم يرد هاتفها وبعد زمن عرفت من رسالة منها انها هاجرت لتعيش في لندن.
فلم اجد غير الانترنيت ورسائله لأطلب الفيزا من السفارة ، وعلى غير المتوقع طلبوا ارسال جوازي بالبريد ، وفعلا ارسلته واتت الفيزا ، فكان السفر الى حضرموت هو بداية فضاءات الحلم الاول يوم غرقنا في خيال ناطحات السحاب المبنية من الطين في استطلاع مجلة العربي.
وصلت المكلا عاصمة محافظة حضرموت ، شممت عطر تواريخ قديمة وارخيت لناقة الطين كل الحنين ، الى هناك حيث كنا نصنع السهر تواريخا من سكرة الغرام مع الصوت اليماني الجميل في اغنيات ( ابو بكر سالم ) ، وقصائد الشاعر عبد العزيز المقالح وكلماته الأغنية الرائعة : ( إن يحرمونا يا حبيبي الغرام ).
وفي الصباح حيث وجهتي شبام وهي هي بلدة أثرية ومركز مديرية شبام في محافظة حضرموت في شرق اليمن.
وتشكل هذه المدينة المسوّرة التي تعود إلى القرن السادس عشر أحد أقدم النماذج وافضلها للتنظيم المدني الدقيق المرتكز على مبدأ البناء العمودي. وتعود تسميتها (بمانهاتن الصحراء) إلى مبانيها البرجية الشاهقة المنبثقة من الصخور.
وهناك بين عطر الطين والاثر استطعت أن احصي ليل النجوم التي تطرز على الطين حكايات ايامنا ، وتعلمت اسرار خلود الطين في خاصرة الزمن عبر الجدران والبوابات والنوافذ.
فتذكرت دهشة المرحوم شغاتي وهو يتطلع الى صور المدينة التي اتجول بين عمارات اطيانها الآن حين ملكته الدهشة وهو يقلب اوراق مجلة العربي ويسألني :كنت اظن اننا وحدنا سادة الطين.؟
ضحكت واجبته : وحضرموت ايضا.