كيف نبدع في اللغة؟ مصطفى لغتيري

منبر العراق الحر :
لعل الميزة الكبيرة التي اكتسبها الأدب في الفترة الأخيرة في بلادنا، التفاته إلى اللغة، إذ أصبح الأدباء يمنحونها المكانة التي تستحقها داخل العمل الأدبي، فلم تعد مجرد وسيلة يبدعون بواسطتها، بل أصبحوا كذلك مطالبين بالإبداع فيها ، فكيف يتحقق لهم ذلك؟
لا شك أن اللغة تمتلك حساسية مفرطة، ولعل الكتاب الذين عاشروها طويلا يشعرون بذلك، و حساسيتها هاته كفيلة بأن تمنح النص قوة و عنفوانا، كما يمكنها أن تنزل به إلى
مهاوي الإسفاف، وفي اعتقادي المتواضع أن كل ذلك متوقف على الطريقة التي يتعاطى بها الكاتب مع لغته، فكلما احترم الكاتب لغته، ومنحها وقته و جهده، أطاعته واندمجت معه في لعبة الإبداع، بل و منحت نصوصه مسحة إبداعية خاصة.
و حتى أتجنب قدر المستطاع الكلام النظري، وأكون إجرائيا أكثر، أقول إن الإبداع في اللغة يتحقق حينما تكون هذه الأخيرة رشيقة، خفيفة، موضوعية وصادمة، تستغل إمكانات التقديم و التأخير، خاصة في ما يتعلق بعمدة الجملة وفضلتها، والتخفف من الزوائد قدر المستطاع، وتحتاط من الإفراط في استخدام الروابط إلا بما يخدم الهدف، وتنحى منحى القصر، لا تتمدد طولا ، حتى لا تنهك النص و القارئ، كما أنها تسعى جاهدة نحو تحقيق درجة من التكثيف، بحيث تكون مكتنزة ومتوترة، يغني قليلها عن كثيرها.. لا تقرر المعنى وإنما تلمح إليها، دون أن تغرق في المجاز أو المحسنات اللفظية و البلاغية ..
وفي خلاصة القول ،نبدع في اللغة حين ننتصر للمقولة القديمة، التي تبدو جامعة و مانعة، تلك التي أطلقها البلاغي العربي الكبير عبد القاهر الجرجاني –إن لم تخنني الذاكرة- حين نادى بضرورة ” تجويع اللفظ وإشباع المعنى”.

اترك رد