منبر العراق الحر :
في يدها اليسرى، تحملُني كأنني العالمُ كلّه،
وفي يدها اليمنى، تشقُّ الليلَ بنخلةٍ من ضوء،
فلا يجرؤ الظلامُ على أن يقترب،
ولا تتجرأ الوحشةُ على أن تتنفسَ حولي.
أمي التي تشبهُ القانونَ الوحيدَ الذي لا يتغير،
الذي يَحكمُ جاذبيةَ قلبي نحوها منذ ولادتي،وحتى الآن،
لا أملكُ من أمري شيئًا،
أنا فقط أدورُ في مدارها،
ككوكبٍ صغيرٍ يدورُ حول شمسٍ لا تخبو.
كلما وقفتُ على حافةِ الهاوية،
كانت هناك، بلا موعدٍ، بلا ضجيج، بدون حتى أن أراها،
تجذبني خفيةً،
كأن في يديها مغناطيسَ النجاةِ الذي لا أراه،
لكني أشعرُ به، أؤمنُ به، أُقسمُ به.
حين كنتُ صغيرًة، كنتُ أعتقدُ أن قدميها لا تلامسان الأرض،
وأنها حين تمشي، فإن الهواءَ يفسحُ لها الطريقَ باحترام،
كنتُ متأكدًة أنها ليست مثل الأمهاتِ الأخريات،
أنها تنتمي إلى زمنٍ آخر، إلى لغةٍ لم تُكتبْ بعد،
إلى جُغرافيا لم تُكتشفْ،
إلى موسيقى لم تؤلَّفْ،
كنتُ أرى ذلك في الطريقةِ التي تلفُّ بها الخبزَ حولَ الحب،
وفي الطريقةِ التي تخيطُ بها الأيامَ الممزقة،
وفي الطريقةِ التي تجعلُ بها البردَ دافئًا
والحزنَ أقلَّ وطأة.
أمي التي تكتبُ الشعر،
و تمشي كقصيدةٍ خالدة،
لا تمارسُ السحر،
لكنها تمسحُ على الأشياءِ فتُشفى،
لا تتحدثُ كثيرًا،
لكنَّ صمتَها كتابٌ مقدّسٌ
لا أملُّ من قراءته.
أمي الاستثنائيةُ بكلِّ المقاييس،
تلك التي لا يَسَعُ العالمُ أن يَفهمَها،
ولا تكفيها هذه القصيدة،
ولا أملكُ إلا أن أُحبَّها…
وأحبَّها…
وأحبَّها…
إلى الأبد .
