صانع “يا عشگنه”.في ذكراه الثالثة! فلاح المشعل

منبر العراق الحر :

يوم كانت الأغنية تشبه عاصفة وجدانية عابقة بجمال الإحساس اللحني المتحلق حول أجنحة الروح جاءت أغنية “يا عشگنه” التي صاغها لحنيا المبدع الموسيقي حميد البصري، وكان أحد أركان الأغنية الوطنية العاطفية المتحررة من الأداء الانفعالي وتخمة الشعارات الفارغة، وهنا البصري يترجم مناغاة الشاعر كاظم الرويعي، ويحيلها لإنشاد يتغزل بالأرض حين تصبح وسادة عشق ولحظة لقاء المحبوب في سوح العمل، وكان الدويتو فؤاد سالم وشوقية يضفي بريقا ملونا في المتعة والتأمل، تلك اللحظة السبعينية قدمت الفنان المثقف حميد البصري بكونه ملحنا عراقيا له أسلوبه الموسيقي الجامع بين الروح الشعبية وجمالية اللحن بتدرجاته التعبيرية التي تنبض بحياة تحاكي الواقع، وتعيد صياغته جماليا.
وما زلت أذكر تلك الأمسية المشتركة في حدائق اتحاد الأدباء، حين اشترك معهم الشاعر يوسف الصائغ، وكان يقرأ قصيدته الشهيرة (انتظريني عند تخوم البحر) وكان البصريان حميد وشوقية يغنيان ما ترشحه لحظة النص الشعري، وبين تلك الأغاني تفجرت أغنية يا عشكنه.
حميد البصري الفنان يؤسس فرقة الطريق مع نخبة من أهم الشعراء من وزن زهير الدجيلي ومهدي عبود السوداني وغيرهم، وبأسلوب غير متكلف، بل يعتمد الإيقاعات وآلة العود يقدم أغاني للعمال والشبيبة والفلاحين والطلبة وللمناضلين والشهداء في ساحات النضال، أغاني تردد على نطاق واسع بأوساط الشبيبة والطلبة!
بعد هروب البصري وفرقته من العراق؛ بسبب القمع الذي مارسته سلطة البعث ضد الشيوعيين آنذاك، بدأت فرقة الطريق يتردد منتوجها الغنائي في الأوساط السياسية والمقاومة في لبنان وسوريا والجبهات الفلسطينية وبحضور متميز يسرق الأضواء بقوة ما تطرح من أغاني ثورية.
رغم الإنتاج الغنائي الوفير للمبدع البصري الأستاذ في معهد الدراسات النغمية في بغداد السبعينات، والتي اختتمها بنيل الدكتوراه بالموسيقى في جامعة لاهاي بهولندا، فقد كانت نزعة التأليف الموسيقي تسيطر عليه أكثر من الميلودي الغنائي، وهو ما نجده في الأوبريتات الغنائية العديدة وأبرزها “بيادر خير ” و”المطرقة”.
شوقية زوجته والصوت الغنائي المكتزن لمعاني الجنوب وتلويناته العاطفية، وكانت المتكأ في رحلة الفن والنضال وسور العائلة وارتحالاتها..والبطولة أيضا.
بيدر البصري الصوت العراقي المنطلق من هولندا بلد اللجوء والحاضن الإنساني للفنان البصري وعائلته، بيدر هي نتاج الحقل الذي زرعه البصري وشوقية بالثقافة وعلمية الأداء ودقته وتنويعاته التعبيرية، فصار الصوت الذي يجوب أوروبا، ويحصد الجوائز ويشارك في مهرجانات واحتفالات لها صدى دولي.
سيبقى حميد البصري يضفي حلاوة نهر خوز على مذاق المستمعين لأغانيه العابقة بروحه المخضبة بأصوات البصرة وصورها وروحها العذبة.

اترك رد