*حملة تطهير الدولار: بين الشعارات المثالية وأهداف الهيمنة* بقلم: ناجي الغزي

منبر العراق الحر :
في مشهد يعكس تحوّل الدولار الأميركي من عملة عالمية إلى سلاح سياسي فتاك، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في أبريل 2025 عن حملة شاملة ضد ما سمته “الثروات الدولارية المخفية”. خطوة جاءت تحت عنوان براّق: “محاربة الفساد وتطهير النظام المالي”، لكنها تحمل في طياتها مشروعاً أخطر بكثير من مجرد مطاردة أموال مشبوهة.
تحت غطاء الشفافية، تتحرك واشنطن لتنفيذ أكبر عملية إعادة رسم لخريطة المال العالمي، مستغلة قوتها المالية للسيطرة على الثروات، وإعادة ضبط موازين القوى الاقتصادية لمصلحتها.
*عملية اصطياد منظمة*
القانون الجديد، المسمى “المساءلة العالمية عن الفساد وتطهير الدولار”، يمنح الولايات المتحدة الحق في اعتبار أي حيازة نقدية بالدولار خارج أنظمتها الرقابية كياناً غير شرعي. ومع التهديد بفرض عقوبات وتجميد أصول، تتحول البنوك الدولية إلى أدوات تنفيذ في يد الخزانة الأميركية، مجبرة على الإبلاغ عن كل حساب وحيازة، وإلا وُضعت على قوائم العقاب الاقتصادي.
فرق خاصة بدأت فعلياً بالتحرك مع الإنتربول، وفريق العمل المالي لاجتثاث الدولارات المخفية، مركزة حملتها على مراكز مالية مستقلة مثل دبي وسويسرا والكاريبي. تلك المناطق التي لطالما مثلت تهديداً رمزيًا لسيادة الدولار الأميركي غير الخاضع لرقابة واشنطن.
*الأهداف الحقيقية خلف “تطهير الدولار”*
بعيداً عن الشعارات، يعرف المطلعون والمراقبون أن الحملة تحمل أجندة مزدوجة:
أولاً: سحب الثروات الخارجة عن السيطرة وإعادتها قسراً إلى النظام المالي الأميركي أو أدواته التابعة.
ثانياً: تحويل الدولار إلى أداة ابتزاز عابرة للحدود، قادرة على معاقبة الخصوم السياسيين والاقتصاديين دون إطلاق رصاصة واحدة.
إنه ليس تطهيراً من الفساد، بل تطهير لكل من يحاول الخروج عن بيت الطاعة الأميركي.
*التدابير المعلنة*
هناك مجموعة من التدابير التي دخلت حيز التنفيذ وتشمل:
1- إنشاء نظام تتبع تسلسلي للأوراق النقدية يكشف الأموال المرتبطة بالسوق السوداء أو الجرائم المالية.
2- فرض التزام على البنوك الأجنبية بالإبلاغ عن حيازاتها من الدولار النقدي خلال 90 يوماً.
3- التعاون مع الإنتربول والمنظمات المالية الدولية لتعقب الأموال الأميركية المخزنة في مراكز مالية مثل دبي وسويسرا ومنطقة البحر الكاريبي.
*الأهداف المعلنة*
بحسب الرواية الرسمية الأميركية، تهدف هذه الحملة إلى:
1- مكافحة الفساد العالمي.
2- تجفيف منابع الجريمة المالية.
3- تعزيز الشفافية الاقتصادية الدولية.
4- حماية النظام المالي العالمي من التدفقات النقدية المشبوهة.
*من المستهدف حقاً؟*
أولاً: رجال أعمال مستقلون يملكون احتياطيات نقدية خاصة.
ثانياً: أنظمة سياسية تحاول التحرر من قيود الدولار التقليدية.
ثالثاً: دول صاعدة تبحث عن نظام مالي متعدد الأقطاب.
رابعاً: مراكز مالية مستقلة تسعى لتقديم بدائل عن النظام البنكي الأميركي.
باختصار، كل من لا يسبّح باسم الدولار الخاضع لواشنطن، أصبح هدفاً مشروعاً تحت عنوان “مكافحة الفساد”.
*ارتدادات الحملة – بداية التمرد العالمي؟*
رغم إعلان بعض الحكومات مثل ألمانيا والمكسيك وتركيا دعمها للحملة، حيث تسود خلف الكواليس حالة من القلق والرفض الصامت. كثير من الدول باتت تدرك أن الاستمرار بالاعتماد الكلي على الدولار يجعلها رهينة لتقلبات المزاج السياسي الأميركي.
وبدأت بعض الكتل المالية بالفعل بدراسة خطوات للتقليل من الاعتماد على الدولار، وتعزيز العملات البديلة، والتحول إلى الذهب أو العملات الرقمية السيادية كملاذات أكثر أمناً.
*خلاصة الحملة*
بينما تروج الولايات المتحدة لحملتها على أنها انتصار للشفافية والعدالة الاقتصادية، يعتقد كثيرون أن الهدف الأعمق هو استخدام “مكافحة الفساد” كذريعة لإعادة تشكيل خريطة النفوذ المالي العالمي وفق مصالحها الخاصة.
وفي نهاية المطاف، قد لا تكون هذه الحملة نهاية للفساد المالي كما تزعم واشنطن، بل بداية لحقبة جديدة من السيطرة والابتزاز الاقتصادي باسم الشفافية.
و تطهير الدولار ليس معركة ضد الفساد بقدر ما هو معركة من أجل إحكام القبضة. وما يجري اليوم قد لا ينهي السوق السوداء كما يتوهم البعض، بل قد يدفع العالم نحو مرحلة جديدة من الانقسام المالي، عنوانها: من مع أميركا ومن ضدها.
باختصار شديد: المال النظيف في المنظور الأميركي ليس سوى المال الذي يمكنهم مراقبته والتحكم به.

كاتب سياسي

اترك رد