منبر العراق الحر :
لا أدري يا صاحب الظل الطويل ما الذي يجعلني أعدّ على أصابعي كم مرة قررت أن أمحوك من ذاكرتي بممحاة اللامبالاة وفشلت، كم مرة حاولت دفن منمنمات الأمس بإهالة كل ما تحتفظ به ذاكرتي من شجارات عقيمة فوقه، لقناعتي بأن إكرام الميت دفنه، ولكنني مرة أخرى فشلت، ربما لم أكن جادة في نسيانك بما يكفي، ولكنها الرغبة بإغاظتك عبر تجاهلي لك، فتغيظني بأنفاس ظلّك الممعن في الحضور، الراقص على قدم واحدة في ممرات قلبي، أقسم لك يا سيدي بأني فشلت في إحصاء عدد المرات التي كنت فيها جادة في كسر مرايانا، وإحراق دفاترنا، وإغراق كل مراكب الذاكرة التي تقلّني إلى شواطئ عطرك الصارخ، وما إن أبدأ بالعدّ حتى يطل وجهك من عروة الوقت كوردة دمشقية ندية، يبتسم لي فيسقط قلبي في براثن لعبته وأحبك أكثر…
من قال إني استطعت نسيانك، وكل ماحولي يشدني لإحكام أزرار قلبي كي لايتسرب منه اسمك، وصوتك الذي يقرع في عمري كأجراس الكنائس في الآحاد، يرفرف مثل حمام المآذن في باحة الأموي، مثل أغنية قديمة تذكرني بالأماكن العتيقة التي احتفظت بصورنا المعلقة فوق جدرانها…
ها أنا الآن أعلن على أعتاب رأس السنة بأني مازلت أتشبث بعناد بنصف قلبك، ونصف أيامي معك، وأرمي النصف الآخر في موقد الغياب، لتأكله النيران، وتنفث أبخرتها في وجه أطلالنا الرمادية..
لنحتفل معا في رأس السنة التي لطالما افتقدتك فيها، كنت كل مرة أسقط في جبّ الاحتمالات في كل مرة أحتاجك فيها ولا أجدك، لم تقنعني التبريرات يوما، ولكني كنت أضمد جرح حضورك بكمادات الثقة، لا لم تكن الثقة بل هو التمسك الأحمق بحبك الذي أدمنته مثل مخدر مغشوش أعرف مضار استخدامه وأكافح لكي لا اشفى منه، كان الترقب اللذيذ يجعلني أحلق في سماوات سبع، ثم أهبط فوق أرض صلبة فاسمع صوت ارتطام الحقيقة وتشظيها..
دعنا برأس أشيب لعامنا الجديد نحتفل معا، وليكن الياسمين عريف حفلنا، والشاهد الوحيد على أننا مثل دمشق نولد بعد كل معركة ألف مرة..
