للمرّةِ الأخيرة ___ ميرفت ابو حمزة

منبر العراق الحر :
التَّكرارُ يؤلمُني ..
جسدُ الروحِ ..روحُ الجسدِ
ذاكَ الانتظارُ ..ذاكَ الرحيلُ
تلكَ اللحظاتُ الهاربةُ من الموتِ وإليهِ ..
التحضيرُ للاحتفالِ .. للجنازةِ
الوجوهُ التي انطفأتْ فجأةً وأضاءتْ من جديدٍ
الوجوهُ المترقِّبَةُ انطفاءَتِها واتقادَها في مكانٍ ما ..
النهاياتُ والبداياتُ ..
وحزمةُ عيدانٍ مبعثرةٍ
تطقطقُ قساوتُها في رأسي ..
التكرارُ يؤلمُني ..
مَنْ طرقَ بابَ البالِ وهربَ !؟
مَنْ بلَّلَ كبريتَ طفلةِ البردِ في صدري !؟
مَنْ فتحَ صنبورَ حبرِ الحنينِ فوقَ أوراقي ..!؟
مَنْ طَحنَ قمحَ أيامي
وغربلَ الراحلينَ ..؟!
مَنْ خبَزَ رغيفَ الحبِّ الأخيرَ ..
فوقَ تنّورِ الفراقِ ؟!
أسئلةٌ ملونةٌ أعلِّقُها على شجرةِ الميلادِ
وأنتظرُ غزلانَ الصدفةِ ..
هل تجيءُ ؟
غداً أو بعدَ غدٍ
قد أكونُ أو لا أكون
لكنّهُ عامٌ سيمضي
سنغيّرُ روزنامةَ الجدارِ
سنغيّرُ أرقامَ عمرِنا أو هواتفنا ..
سنرسمُ خطةً جديدةً لعامٍ قادمٍ .. لأعوامٍ ربما ..
وربما ستضيعُ ويمضي عامٌ وخلفَهُ عامٌ ..
ونسغٌ أخيرٌ ما زالَ قربَنا ينتظرُ .. !
هل هناكَ متسعٌ كي نتلمّسَ براعِمَ الأماني ؟
لكلِّ الذينَ أحبُّهم ..
لكلِّ الذينَ منحوني ذريعةً كي لا أحبَّهم ..
لكلِّ الذينَ خانوا ثقتي
لكلِّ من كانوا أهلاً لها ..
لكلِّ الذينَ جعلوا من عمرِي شباكاً
في مرمى أهدافِهم
لكلِّ الذينَ كانَ قلبي هدفَهم الوحيدَ
لكلِّ الذينَ صنعوا من عظامي جسراً
لكلِّ الذين منحنوني حبَّهم جسراَ
لكلِّ الذينَ أخذوا من الأعذارِ مطلقَها
ومنَ الفرصِ أكثرَها
ومن العاطفةِ ما تفيضُ بهِ قلوبُ الأمهاتِ …
إني أكرهُكُمُ الآن ..
كما تكرهُ الشجرةُ ضرباتِ الفأسِ ..
كما يكرهُ الفتيانُ لقبَ (شهيد) ..
كما تكرهُ البلادُ زعماءَها الحاليين ..
كما يكرهُ الأمواتُ أسماءَهم في الانتخابات ..
كما تكرهُ الصبايا لقبَ العُنُوسة ..
وكما تكرهُ أمي أن تراني على فراشِ الموتِ ..
لعلَّ في كُرْهي هذا تعاندُني الأقدارُ
وتمنحكُمْ عكسَ ما أشعرُ الآنَ لكم ..
ما عادَ الحبُّ يعنيني
فكلُّ الذينَ أحبوني وأحببتهم
ركبوا حافلةَ الشتاتِ وغابوا
أسرجوا الليلَ في عينيَّ وغاموا
وتركوا قلبي سحابةً تداعبُها الريحُ
في سماءٍ متجهمةٍ برسمِ المستحيلِ ..
ربما ستمطرُ الآنَ بهِ عليكم ..
ستمطرُ الآن عليكم ..
الآنَ ، وللمرةِ الأخيرةِ
سأمنحُ قلبي غابةً لا أرضَ لها ولا حتى سماء ..
كي تنهضَ خضراءَ تحتَ جلدي ..
كما كانتْ هناكَ فوقَ تلةِ الروح
ستنهضُ ورداً .. وتراً .. ناياً ..طيراً .. رمحاً ..
ستنهض خضراءَ غانيةً
بشرعيةِ الدمِ المراقِ من وريدِ وريدي …
_______________________
ميرفت أبوحمزة
من ديوان “خواتم بلا أصابع

اترك رد