منبر العراق الحر :
الله خالقنا ورازقنا ومدبر أمورنا ، وأمور الوجود كله ، الله وجب له كل كمال ، وتنزه عن كل نقص . ونحن المسلمين نوقن بأن الله واحد أحد فرد صمد ، لا ند له ، ولا ولد ، وهو المستحق للعبادة , والمنفرد بالسيادة ، وبأنه تبارك وتعالى متصف بجميع المحامد والكمالات ، التي يمكن أن تخطر علي بال ، أو يرهف بها حس ، أوينبض بها قلب ، أو يمكن أن يتخيلها عقل ، والتي لا يمكن أن تخطر على بال ، ولا ترد علي خاطر ، وأنه سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص يمكن أن يخطر علي بال ، أو لا يمكن أن يخطر على بال .
وأنه سبحانه وتعالى وصف نفسه فقال عز من قائل ” الله الصمد ” فما معني الصمد ؟
الصمد هو المقصود في الحوائج ، وهو الذي يلجأ إليه الخلق لقضاء حوائجهم ، وتخفيف مصائبهم ، وتأمين مخاوفهم ، وتسكين فزعهم ، وتطمين قلوبهم ، وتزكية أرواحهم ، وتطهير نفوسهم .
وعن معنى الصمد ، قال حبر الأمة ، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : الصمد هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمه ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : الصمد هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد .
وعن مقاتل بن حيان : الصمد هو الذي لا تعتريه الآفات . والصمد هو الذي يحكم ما يريد ، ويفعل ما يشاء ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه .
والصمد هو الدائم الباقي الذي لا يبلى ، ولا يفنى ، والصمد هو المفتقر إليه كل ما عداه ، فالمعدوم مفتقر وجوده إليه ، والموجود مفتقر في شئونه إليه .
والصمد هو الله الذي تعرفونه ، وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه ، وهو الغني عنهم .
لكن لماذا جاءت ” الصمد ” محلاة بالألف واللام ، ولم تأت منكرة بلفظ ” صمد ”
نقول وبالله التوفيق ، مستمدين منه الهداية والرشاد ، والصواب والسداد ، أل في لفظ الصمد للاستغراق ، بمعنى أنه لا مقصود للخلق في قضاء حوائجهم إلا الله ، ولا قاضي لحاجات البشر ، ولا مدبر لمصالحهم ، ولا مقصود في الرغائب ، ولا مستغاث في المصائب إلا الله .
فالله هو الحقيقة الوحيدة في هذا الكون ، والله هو القوة الوحيدة في هذا الكون ، لا منتهى لقدرته ، ولا حدود لعظمته بلغت أسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، كمالات لاتنتهي ، وتنزهت عن كل شائبة نقص .
والله هو الصمد ، وهو الذي يقصده البشر لقضاء مصالحهم ، وإنفاذ رغائبهم ، وتأمين خوفهم ، وتسكين فزعهم ، لأنه لا ضار ولا نافع إلا الله ، ولا محي ولا مميت إلا الله ، ولا خالق ولا رازق إلا الله .
وهذا هو واقع الوجود ، حتى لو أنكره بعض البشر ، فالله هو المقصود الأوحد للبشر في قضاء حاجاتهم ، مؤمنهم وكافرهم ، في السراء والضراء ، ليس هذا فحسب ، بل كل المخلوقات تتجه إليه ، وتطلب منه العون ، طوعا وكرها ، بإرادتها ورغم أنفها .
قال ربنا سبحانه وتعالى : ” هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٢٢ فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ” ٢٣ [يونس: 22-23]
وقال تعالى : “قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٦٣ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبٖ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ ٦٤” [الأنعام: 63-64]
وإذا كان الله هو مقصود البشر في حوائجهم ، فالله تبارك وتعالى أكرم الأكرمين يحب أن يسأله عباده ، ويطلبون منه حوائجهم ، ويعبدونه وحده لا يشركون به شيئا ، وجاء في الحديث الشريف { من لم يسأل الله يغضب عليه } رواه الترمذي والبزار والبخاري في الادب المفرد وغيرهم .
وروى أحمد والترمذي وابن أبي شيبة وغيرهم ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك أن يأتيه بالغنى، إما غنى آجل، وإما غنى عاجل»
قال الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله ………….. وبني آدم حين يسأل يغضب
حقا ربي أنت أكرم الأكرمين ، أحبك ربي
رضيت بالله ربا وبالإسلام دين وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا