لماذا لا نكون مثلهم ؟! كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
لماذا ليس لدينا شخصيات مثل ( هنري كيسنجر ‘ بريجينسكي ‘ مادلين اولبرايت كونداليزا رايس الخ ). لقد جاء هؤلاء من فضاء المؤسسات والبحث ومراكز الدراسات ومكتبات وكتب ومختبرات العلوم الاجتماعية والسياسية ومن الابحاث العلمية المتخصصة وغرف التخطيط الاستراتيجية للحرب والسلم والصراعات والنزاعات الدولية وغيرها . وتم اختيار الكثير من هؤلاء من تلك المؤسسات ليكونوا في مواقع سياسية ودبلوماسية واستخباراتية وامنية عليا. هذه المفاهيم دخلت الى تلك المجتمعات واسست الى ركائز قوية ومتينة ورصينة في مؤسساتهم المختلفة. لكن عباقرة اختراع اللبن لدينا لا يؤمنون بهذه النظريات ‘ لذلك لا تستغرب من اختيار بائع شلغم ليكون محلالا استراتيجيا او تحويل عريف الى جنرال كبير او تنصيب سائس خيل كوزير او ان يصبح مدلكجي حمّام مسؤول حقل الطيران ‘ او مغسل موتى يتحول الى مصرفي ( حسابات سرية وبورصة ) ‘ او سائق سايبه يصبح وكيل وزارة او بائع غنم وخبز ومطال يصبح مضارب في سوق العملة ويكتب تحت اسمه ( محلل وباحث اقتصادي ). بزاخ وقائد فرقة خشابة متنقلة يصبح قائد مظاهرات تدعو للاصلاح ومحاسبة الفاسدين او بائع ادوات مستعملة في سوق العورة ينصب مدير مكتب رئيس كتلة ‘ او سمسار لعدي وتاجر سجائر يتحول الى سياسي وبرلماني مرموق . وقد قام الصخب السياسي والضجيج الاعلامي الذي يدعم السطحية والابتذال بالتغطية على الصرخات الصادقة والحية للكثير من النزهاء والشرفاء واصحاب المعرفة والفكر لكي لا يكون لهم صوت مدوي امام حالة التشرذم والانحلال والتفسخ. تشاهد ان ساسة الغرب محاطون بمستشارين على مستوى عال من الذكاء والفطنة والدراية وقد يكون قسم منهم اكثر فهما من المسؤول نفسه في شؤون السياسة وحاضرها ومستقبلها في حين ان المسؤول لدينا محاط بشبكة من التماسيح البشرية ( وهم خليط من اصحاب الشركات والمصالح والمافيا ) او ان تكون حاشية المسؤول مجموعة من الانتهازيين والاقارب والاتباع . ويخرج المسؤول ( غير المسؤول ) لأن المسؤولية ضمير وموقف امام الاعلام يتحدث عن الموقف الوطني وتحكيم لغة العقل والاصغاء واحترام القانون ومؤسسات الدولة ولو كانت تصدر من عقول واعية ومدركة للخطر الماحق الذي يتربص بنا لصدقها الشارع ولكن معظم هؤلاء بنوا واجهات دعائية واعلامية مزيفة ويستعملون ذات اللغة الانشائية التي تدلل على المسافة الشاسعة بينهم وبين الشارع . لذلك يفتقد البعض الرؤية والوضوح لما وصل له الشارع من تفكيك على مستوى تفشي الفساد والرشوة والمخدرات وانحلال القيم ونهب الثروات وسحق الذات الانسانية ورغم كل ذلك يدعونا المسؤول الى توخي الدقة وتغليب المصالح العليا على الدنيا.وبالعودة الى السؤال لماذا لا نكون مثلهم ؟ لأننا مشغولين بالماضي ( من منطق السطحية والجهل والتكرار ) . ولا نعرف من الذي يتحكم بمصيرنا ومستقبلنا وخلاصنا وحياتنا في مجتمع مشحون بالكراهيات والتشرذم والبطالة والركود ( والتنبلة ) والكسل وسيطرة المفاهيم المشوهة على حساب المعرفة والعلم والفكر . حتى ان المؤسسات لدينا اصبحت مصدرا للبحث عن الامتيازات والمال والكسب ومكان للثراء مما يجعل هؤلاء قادرين على شراء كل شي بما في ذلك الذمم والضمائر. فأصبح هناك مواطن فقير مجبر على بيع كرامته ونفسه ومواطن اخر مسلح بالمال والعشيرة والحزب والتيار قادر على دفع هذا الفقير للوصول الى هذا المصير. مع غياب النظام السياسي الذي يلبي متطلبات المواطن في هذا الزمن . رغم كل الامكانيات المالية والبشرية الضخمة .فشلنا في توقع الخراب الذي نعيشه وسوف نفشل في توقع ما هو اكبر من الخراب . كل ذلك حصل ويحصل ولازال البعض مصر على تلميع صورته الصدئة من اجل ان لا ينساه الناس مع ان فكره بائر واصبح مفلس على مستوى الدور والمشروع واللغة. لذلك نحن لا يمكن ان نكون مثلهم!. لكن ممكن ان تبقى نقطة ضوء قائمة في هذه العتمة والنحيب وهي ان نكون اكبر من ظروفنا القائمة لأن المحن احيانا تجعل الانسان يخرج اقوى وافضل ما لديه وهذا ما نعول عليه من المخلصين لهذا الوطن الحبيب.

اترك رد