منبر العراق الحر :
اكتشف علماء الفلك بقايا كيميائية خلفتها النجوم الأولى في الكون بعد موتها في انفجارات كونية ضخمة تسمى المستعرات الأعظمية.
وباستخدام تلسكوب (VLT) الكبير جدا الموجود في صحراء أتاكاما في شمال تشيلي. وجد العلماء، لأول مرة، البصمات التي خلفها انفجار النجوم الأولى في الكون في السحب الغازية البعيدة.
وأشار علماء الفلك إلى أنهم اكتشفوا ثلاثة غيوم غازية بعيدة يتطابق تركيبها الكيميائي مع ما هو متوقع من الانفجارات النجمية الأولى.
ويمكن أن يساعد هذا الاكتشاف العلماء على فهم ظروف الكون بشكل أفضل بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم، عندما كان عمر الكون نحو 300 ألف عام وولدت النجوم الأولى.
وقالت قائدة الدراسة، الدكتورة أندريا ساكاردي، من مرصد باريس (Observatoire de Paris)، في تصريح لموقع ProfoundSpace.org عبر البريد الإلكتروني: “اكتشفنا ثلاث غيوم غازية بعيدة ببصمة كيميائية تطابق ما نتوقعه من الانفجارات النجمية الأولى”.
وأوضحت المؤلفة المشاركة للدراسة ستيفانيا سلفادوري، الأستاذة المشاركة في قسم الفيزياء والفلك بجامعة فلورنسا، لموقع ProfoundSpace.org: تقدم النتائج الجديدة طريقة لدراسة هذا الجيل الأول من النجوم بشكل غير مباشر. ويمكننا استخدام هذه الدراسات لاستكمال علم الآثار النجمية وكشف طبيعة النجوم الأولى والمستعرات الأعظمية الأولى”.
وكان الجيل الأول من النجوم الذي تشكل قبل 13.5 مليار سنة مختلفا تماما عن الأجسام النجمية التي نراها في الكون اليوم. وهذا لأنها ولدت عندما كان الكون ممتلئا في الغالب بالهيدروجين والهيليوم، مع وجود آثار فقط من العناصر الثقيلة، والتي يسميها علماء الفلك “المعادن”.
ونتيجة لذلك، كانت هذه النجوم غنية بالهيدروجين والهيليوم ولكنها كانت أيضا فقيرة بالمعادن.
وهذه النجوم، التي يُعتقد أنها أكبر من شمسنا بعشرات أو مئات المرات، ماتت بسرعة في انفجارات قوية تُعرف باسم المستعرات الأعظمية، ما أدى إلى إثراء الغاز المحيط بعناصر أثقل. وأدى هذا إلى توزيع العناصر المكونة في هذا الجيل الأول من النجوم ، مثل الكربون والأكسجين والمغنيسيوم ، الموجودة في الطبقات الخارجية للنجوم ، في الكون. ثم أصبحت هذه المادة اللبنات الأساسية للجيل الثاني من النجوم.
ونتيجة لذلك، انهارت نوى النجوم بينما تطايرت الطبقات الخارجية بعيدا في انفجار مستعر أعظم هائل. وبالتالي، فإن النجوم المنحدرة من أجسام نجمية سابقة تكون أكثر ثراء بالعناصر الأثقل، وعندما تولد النجوم لاحقا في تاريخ الكون البالغ من العمر 13.8 مليار عام، فإنها تصبح تدريجيا أقل فقرا بالمعادن.
وعلى الرغم من قوتها الهائلة، كانت هذه المستعرات الأعظمية الأولى ما تزال أضعف من أن تشتت العناصر الثقيلة جدا مثل الحديد الموجود بشكل أساسي في قلب هذه النجوم الأولى.
لذلك، عندما يبحث علماء الفلك عن البقايا الكيميائية لهذه النجوم المبكرة وعن نجوم الجيل الثاني، فإنهم يبحثون عن الكثير من الكربون والعناصر الأخرى الممزوجة بقليل جدا من الحديد.
العثور على أول رماد نجمي
وللبحث عن البصمات الكيميائية لهذه النجوم الأولى التي انفجرت على شكل مستعرات أعظم منخفض الطاقة، بحث الفريق عن غيوم غازية بعيدة فقيرة بالحديد لكنها غنية بالعناصر الأخرى. ووجدوا ثلاث غيوم بعيدة في بدايات الكون تحتوي على القليل جدا من الحديد ولكن الكثير من الكربون وعناصر أخرى، وهي بصمة انفجارات النجوم الأولى.
ولوحظ هذا التركيب الكيميائي الغريب أيضا في العديد من النجوم القديمة في مجرتنا، والتي يعتبرها العلماء من نجوم الجيل الثاني التي تشكلت مباشرة من “رماد” النجوم الأولى.
ووجدت هذه الدراسة الجديدة مثل هذا الرماد في بدايات الكون. وتوضح سلفادوري: “يفتح اكتشافنا طرقا جديدة لدراسة طبيعة النجوم الأولى بشكل غير مباشر”.
ولاكتشاف ودراسة هذه السحب الغازية البعيدة، استخدم الضوء الصادر عن الكوازارات، وهي مصادر ساطعة للغاية مدعومة بالثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات البعيدة. وعندما ينتقل الضوء من الكوازار عبر الكون، فإنه يمر عبر السحب الغازية حيث تترك العناصر الكيميائية المختلفة بصمة على الضوء.
وقالت ساكاردي إن “هذه السحب البعيدة في بدايات الكون تحتوي على نسبة منخفضة جدا من الحديد ولكن تحتوي على الكثير من الكربون وعناصر ضوئية أخرى. وفي الواقع، في مجرة درب التبانة، تظهر العديد من النجوم القديمة محتوى صغيرا من الحديد وفائضا كبيرا من الكربون وعناصر ضوئية أخرى مثل سحب الغاز لدينا”.
وأضافت سالفادوري أن هذه الإشارات الكيميائية من النجوم الأولى ربما تكون أفلتت حتى الآن من الاكتشاف لأن البحث عنها ركز على السحب الغازية الكثيفة التي يمكن أن تحافظ على تشكل النجوم بعد أن تم تخصيب الغاز بواسطة المستعرات الأعظمية الأولى.
وقالت سلفادوري: “بعبارة أخرى، تمكنت الأجيال اللاحقة من المستعرات الأعظمية العادية الأكثر غنى بالمعادن من زيادة تلويث هذه السحب الغازية الكثيفة، وبالتالي محو البصمات الكيميائية للنجوم الأولى. وبدلا من ذلك قمنا بتحليل التركيب الكيميائي لسحب الغاز الأكثر انتشارا وحددنا بصمات النجوم الأولى. وهذا النجاح هو نتيجة للتعاون الوثيق بين النظرية والملاحظات”.
وأشار الفريق إلى أنهم سيحاولون الآن فهم طبيعة هذه السحب الغازية بشكل أفضل ويهدفون إلى اكتشاف مدى انتشارها عبر تاريخ الكون.
نُشرت نتائج الدراسة في 3 مايو في مجلة The Astrophysical Journal.
المصدر: سبيس