لم يعد أمام اللغة إلا الهروب…د. قيس جرجس

منبر العراق الحر :

لم يعد أمام اللغة إلا الهروب من هذا المصير البائس
هاربة من أقلام الشعراء والأدباء والروائيين والكتاب
هاربة من ألسنة الخطباء والواعظين والأساتذة
هاربة من المعاجم من لسان العرب من المختار الصحاح
ما إن ترى قلما أو لسانا في هذه البلاد
حتى تجفل
وتقفز بهلع إلى معنى مجهول
وأنا أركض خلفها على طلق النفس
ألتقط ما يسقط منها من مجاز أو علامة استفهام أو حركة إعراب أو علامة ترقيم
لأصيغ خاتم كلام أخطب به إعجابكم
لا أحد يعاني أكثر من اللغة في هذه البلاد
التي تقضي نهارها على ألسنة الكلام المباح
وتقضي ليلها على ألسنة الكلام غير المباح
لا يرف لها جفن من الصباح حتى الصباح
من صلاة إلى صلاة
من خطبة إلى خطبة
من خطاب إلى خطاب
من قصيدة إلى قصيدة
من مقالة إلى مقالة
من جريدة إلى جريدة
من كتاب إلى كتاب
في بلاد تقتات على المديح والرثاء
في بلاد يتجسّد الله في كلمة
في بلاد يُحفظ الله في الناموس
في بلاد يكمن الله في النقل وليس في العقل
ويكمن الشيطان في تفاصيل الكلام
وتقضي جلّ وقتها في تفسير النصوص كما تفسير الأحلام
في بلاد تعود أغلب حروبها إلى اختلاف التفسير وشرح المفردات
في بلاد تتحمّل اللغة معظم بلاياها
فكل نص يعتل خلفه قاطرة مقطورة من كتب التفسير المختلف عليه ويتحمّل وزر الشيع والملل والمذاهب والانقسامات الحزبية والدينية والعائلية والعشائرية…
في بلاد تتكلم حتى في نومها
في بلاد لا يسكن لسانها فمها
في بلاد تصوم عن الأكل ولا تصوم عن الثرثرة
وما يدخل فمها لا يساوي بعوضة مما يخرج من فمها
هاربة اللغة كأنها زانية يرجمها بحجارتهم الزناة…
==
قيس جرجس
٨

اترك رد