بقايا دموع وردة آل الشيخ …نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :

كل الوجوه في صباحات قرية الشواهين تأخذ من ضوء الشمس طاقة نهارها كله ، لتعيش طقوس يومها بانتظام محسوباً منذ ازل سومر البعيدة وإلى اليوم وقد سكنتها فطرة الابتسامات وقناعة أن الخلق هكذا بدأ وسيبقى .على الرغم من أنهم يعرفون من خلال إناقة المعلمين والحياة في المدينة التي يبيعون فيها ما ينتجون أن هناك اشياء لاتتوفر في بيئتهم ولكنهم لايهتمون بها ويعرفون فقط ان السيارات تفيدهم فقط بايصالهم إلى مراقد الائمة ع وتحمل نعوش موتاهم إلى مقبرة النجف . ولكن اطفالهم حين يرحلون إلى السماء بعوارض الاوبئة او الغرق في الهور فأن الشخاتير حين من تنقلهم بدون نعوش ليدفنوا قرب ضريح سيد يوشع او فواده ام هاشم او الخضر حي الدارين حيث تنتشر هذه المراقد لاولياء علويين في اطراف الهور وقريبا منه وهي من ينذرون اليها ويزورها للتبرك وطلب الرزق والعافية.
بين تلك المشاهد اليومية التي نعيش بالحس والمشاهدة وبعضهم يدونها في دفاتره والبعض يحتفظ فيها بذاكرته ، وكنت انا من بين من يدونون ذكريات المكان ، وهاهي وردة آل الشيخ تتميز بفتنة خاصة ، وتتخيل ان تحت اجفانها حديقة من الورد ، فلقد كانت تلميذة ذكية وصلت إلى الخامس الابتدائي ولم تكمله لأن امها تريدها لحاجات البيت والحياة ،وكنت شاهدا على دموعها وهي تقول لي : أستاذ احببت الجغرافيا لكني سوف لن امسك كتاب الجغرافية مرة اخرى ، وما فعلته انني اهديتها كراس أطلس الجغرافية وقلت لها : وقت فراغك تمتعي به فهو يريك العالم .
لم تفهم معنى العبارة ،ولكنها أحست ببهجة مبتسمة وقالت :اتذكر إنَ لك قصة قصصتها علينا عن بساط يطير فوق كل مدن العالم التي التي تقع أبعد من الجبايش .
قلت :نعم وهذا الأطلس سيريك الكثير من تلك المدن.
وربما خلوتها الليلية مع كراس الأطلس جعلها تتخيل ما تتمناه ، ومع نفسي اقول :ربما شهرزاد تكون واحدة من بنات المعدان ويعلمها خيال المدن نسج حكايات عن اماني السفر ، ولأن السفر أكثر المحرمات على النساء في هذه الأمكنة فلا يتعدى سفرهن سوى الذهاب الجماعي إلى الجبايش مع ما يحملن من اواني القيمر واللبن الرائب وثمر الخريط المستخلص من نبات البردي.
كبرت تلميذتي وردة ، ووحدها من كانت ترتدي حذاء مطاطيا وتقود اربعة جواميس توصلها إلى حافة الهور وتتركها تذهب إلى مكان الرعي والقيلولة وسط الماء ، ثم تعود إلى كتاب الأطلس حيث شاهدتها اكثر من مرة تجلس تحت دفء شمس الشتاء في اول البيت وتقلب اوراقه فأتخيلها تعيش موسما من الفرح والانتظار لزفافها القادم من ابن عمها سالم ، ولهذا تبقى مرتدية حذاء المطاط حتى لاتخدش اقدامها بحافات الشوك والقصب لانها مقبلة على عرس ولاتريد ان تكون مع عريسها بجروح . وكان شرط سالم الذي تطوع في واحد من الوية المشاة في قضاء راوندوز ،انها سوف لن تذهب إلى المدينة وتبيع القيمر ، لتبقى في انتظاره ، وقد سمح لها ان تقلب بالأطلس وكلما تشتاق اليه تذهب إلى الصفحة التي فيها صورة شلال كلي على بيك وتتخله هناك فطالما يمر على هذا المكان في ذهاب الاجازة الدورية وايابها .
تزوجت وردة ال شيخ حبيبها سالم ، وانتقلت إلى بيت اهله ،وابقت على طقوس انتظاره في تقليب الأطلس التي تهرأت اوراقه وتمزقت ، فأتى إليَّ ذات يوم ليخبرني ان الأطلس تمزق وان زوجته تنتظر وليدها الاول ولا يريد ان تحزن ، فسارعت لاهدائه أطلسا جديدا .
ذات حرب اخبر المأمورون اهل سالم وزوجته التي اصبح الآن لديها ولد بعمر عامين ، وسماه شلالاً ، أن سالماً فقد في دورية قتالية فوق احد الجبال ،وقد يعود او لايعود .
ومع حزن وردة وهي تسكب دموعها وألمها شعرت بالحزن ايضاً ، وكل صباح اراقبها وهي تقلب اوراق كراس الأطلس وتذهب مباشرة إلى صورة شلال كلي علي بك وان حبيبها سالم واقفاً على قمة الشلال ويلوح لها بيديه ليخبرها بموعد إجازته القادمة.
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

اترك رد