منبر العراق الحر :…..الجزء الأول …
“مقتطفات عن حياة الإمام النفري”
يعد الإمام العارف بالله محمد بن عبد الجبار بن الحسن بن أحمد النفري من العلماء المتصوفين الفطاحلة هو شخصية غامضة نوعا ما في تاريخ التصوف الإسلامي، لا يعرف الكثير عن حياته وأحواله ماعدا بعض الأخبار والقصص التي أوردها جملة من المؤرخون وبعض المتصوفة في مداخل أعمالهم مثل أبن عربي الذي ذكره في عدة فقرات في كتبه وخاصة في كتابه الفتوحات المكية وأهم من عرفنا على الإمام النفري المتصوف الكبير العفيف التلمساني الذي شرح كتاب المواقف والمخاطبات، وضمن هذا الشرح كانت إشارات مهمة عن حياة الإمام النفري ومنها إنه عاش في القرن الرابع الهجري وإنه من مواليد العراق وينتسب إلى نواحي بلدة الكوفة وأنه كان صوفياً جوالاً رحالاً كان جواب للآفاق لا يقيم في أرض ولا يتعرف على أحد، ويقال إنه أستقر في أواخر عمره في مصر وتوفي فيها وبسبب ترحاله وتجربته الروحية الكبيرة وتحصيله الكامل لهذه التجربة لم يكن بالواقع مهتم في ترك أثر مكتوب من بعده بمعنى إنه كان زاهد حتى في موضوع الكتابة والتأليف ولم يترك غير هذا الكتاب المواقف والمخاطبات، هو حصيله مادونه من أفكار وخواطر والهامات الحكمة الإلهية كان يكتبها على قصاصات ورقية، وقام بجمعها بعد ذلك حفيده بعد موته وهذا الشخص هو رتبها بهذا الشكل الذي عليه الآن، ونقول أن هذه المخطوطة ظلت في طي النسيان إلى أن أتى بعد قرون طويلة أحد المستشرقين البريطانين هو أرثر جون أربرى Arthur John Arberry (12 من مايو 1905 – 2 من أكتوبر 1969ميلادية) مستشرق بريطانى أختص فى التصوف والأدب الفارسى، نفض الغبار عنها ونشرها في حوالي ثلاثينيات القرن العشرين، وبعد نشره كتاب الأمام النفري الذي أخذ قسطاً كبيراً من الإهتمام بإعتباره صاحب منهج فريد يعتمد على نسق الأضداد في توضيح عقيدة وحدة الوجود وتبيان حقيقة الانسان الكامل المعاني والصفات الربانية المتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى وأخلاق رسول الكريم محمد (ص) التابع إليه باحسان إلى يوم الدين، والواصل الى مقام الاحسان في التصوف الإسلامي، وقد ورد ذكر آية الأخلاق في سورة القلم قال الله تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ الآية (4) وذكر مقام المحسنين وهو اعلى مقام في التصوف في سورة ال عمران الآية 9)) { قال الله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }.
أن الإمام النفري يوضح بفلسفته الصوفية إلى حد كبير القوانين والسنن الإلهية الكونية تعتمد على الخير والشر والظلام والنور وكل المتضادات بإعتبارها علم جامع وشامل في نظام وحدة الوجود و إن الإمام النفري استطاع أن يجعل من هذه الثنائية كشفاً روحياً عظيماً في عبارات قصيرة مكثفة تتجلى عليه بصوت الحكمة الإلهية من عوالم أخرى غير عالمنا الظاهر الواقعي المادي الذي يدعى {عالم الملك} وهي عوالم الحياة العلوية {العوالم الخمسة: اللاهوت، الجبروت، الملكوت، المُلك والناسوت}.
أنّ العوالم الكلّيّة هي : الاوّل : اللاهوت عالم الذات، وهو ما يطلقون عليه باللاهوت والهويّة الغيبيّة، والغيب المجهول، وغيب الغيوب، وعين الجمع، وحقيقة الحقائق، ومقام أو أدني، وغاية الغايات، ونهاية النهايات، والاحديّة
والثاني: جبروت عالم الصفات، وهو ما يطلقون عليه بالجبروت، وبرزخ البرازخ، والبرزخيّة الاُولي، ومجمع البحرين، وقاب قوسين، ومحيط الاعيان، والوحدانيّة، والعماء
الثالث: عالم الملكوت، ويسمّونه كذلك عالم الأرواح ، وعالم الافعال، وعالم الامر، وعالم الربوبيّة، وعالم الغيب والباطن
الرابع : عالم المُلك، ويطلقون عليه كذلك عالم الشهادة، والعالم الظاهر، وعالم الا´ثار، والخلق، والمحسوس
الخامس : عالم الناسوت، ويطلقون عليه كذلك الكون الجامع، والعلّة الغائيّة، وآخر التنزّلات، ومَجْلَي الكلّ العوالم الاربعة من هذه العوالم الخمسة هي ضمن عالم الغيب،
لانّها خارجة عن عالم الإدراك والحواسّ. وأمّا العالم الملك فهو ضمن عالم الشهادة، لا نّهما محسوس بالحواسّ. وهذي العوالم الغيبية الموازية لعالم الملك الظاهر المرئي بقانون التوازي الكوني لكلا منها امتيازاته الخاصة تكون على شكل طبقات بحجب مخفية من نسيج النور المشبع بصبغة هلامية غير مرئية ويتكون نسيجها من طبقات اشعاعية صادرة من طاقة النور ومحملة أيضًا بموجات الأشعة فوق البنفسجية هي موجة كهرومغناطيسية ذات طول موجي أقصر من الضوء المرئي لكنها أطول من الأشعة السينية سميت بفوق البنفسجية لأن طول موجة اللون البنفسجي هو الأقصر بين ألوان الطيف،وأشعة تحت الحمراء التي تزداد نسبتها في السماء ليلاً، فهي تحول بشكل جيد الضوء الأصفر والبرتقالي والأحمر إلى الأشعة القريبة من تحت الحمراء، والكهربائية الساكنة وغيرها من الالطاف الالهية الكونية المخفية الغير ظاهرة للعيان هذه طبقات السماوية الهلامية محجوبة بصريًا عن الأرواح التي مازالت في البعد الروحي الاول والثاني ضمن العالم السفلي الظلامي والثالث والرابع يتضمنها العالم الملك الاوسطي المادي والقسم الثالث هو العالم العلوي تسكن فيه الأرواح المقدسة الخالدة التي تكون في البعد الروحي الخامس الى مافوق العاشر حسب درجات الترقي بالوعي والاستبصار، وهناك أيضًا مخلوقات تسكن في هذه العوالم وهي عبارة عن ارواح لها تركيبة بخواص فيزيائية من عنصري الدخان والنور وهي الملائكة مخلوقة من النور والجن مخلوقة من دخان النار وغيرها من الخلوقات والله أعلم ، تكون كثيفة شفافة لاترى بالعين المجردة ولكن ترى وتشاهد بالحواس الباطنية الموجودة في جسد الروح الاثيري فهي تبقى مضموره ولا تتفتح الحواس الحيوانية الا بمجاهدة النفس وخروجها من تأثير هوى النفس والشيطان والشهوات والغرائز الحيوانية وتبين لنا في كتاب المواقف والمخاطبات، إن الإمام النفري كان يخوض غمار هذه التجربة الروحية بمجاهدة هوى النفس وتأثير الشيطان بالأفكار السلبية وكان التحاق روحه بذات الله العليا اي رجوعها الى خالقها بارئها ومصورها قبل الموته الثانية وهي الموته الاولى فناء النفس السائلة في الله أي ذوبان مشاعرها كليا بحب الله في هذه الحياة الفانية الوارد ذكرها في سورة غافر بقوله تعالى: – } قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ الآية { (11) وتبين لنا في المخاطبات حالة خروج روح الامام النفري الاثيرية من الجسد المادي بسفر الروح بالكشف الصوفي لتواكب هذه العوالم الخفية فكان الإمام النفري يمتزج بروح العزيمة والارادة في دخوله إلى الحضرات الخمسة وهي مصطلح صوفي مجموعة طقوس للمريدين، وسالكين برجوع الروح الى موطنها الأصلي في العالم السماوي العلوي .
تبدأ من حضرة الغيب المطلق…: وعالمها الأعيان الثابته في الحضرة العليا
– حضرة الشهادة المطلقة : وعالمها عالم الملك
⁃ ،حضرة الغيب المضاف : وهي تنقسم إلى ما يكون أقرب منه الغيب المطلق، وعالمه عالم الأرواح الجبروتية
⁃ ،حضرة الملكوتية : أعني عالم العقول والنفوس المجردة، إلى ما يكون أقرب من الشهادة المطلقة، وعالمها عالم المثال، ويسمى بعالم الملكوت.
⁃ الحضرة الجامعة للأربعة المذكورة : وعالمها عالم الإنسان الجامع لجميع العوالم وما فيها، فعالم الملك مظهر عالم الملكوت، وهو عالم المثال المطلق، وهو مظهر عالم الجبروت، أي عالم المجردات، وهو مظهر عالم الأعيان الثابته وهو مظهر الأسماء الإلهية والحضرة الواحدية وهي مظهر الحضرة الأحدية.
لقد كان الإمام النفري يتجول بسفر الروح بالطريقة الصوفية بين هذه العوالم و الحضرات الخمسة بوعيه الكامل حيث لا مناص له من تلبيه نداء الله واتباعه لإلهام الوحي الإلهي المقدس لكونه عبد مسلم مخلص لله متحقق بالعبودية الكاملة يطبق ما أمره الله بتكليفه الكوني حامل رسالة كونية وأمين الوحي والتنزيل يبلغ رسائل الله المودعة في كتاب المواقف والمخاطبات ، فقام الإمام النفري تطبيق الأوامر بكتابة وتوثيق العبرة والفكرة والتورية هي المحصلة الهداية عند نظام أهل العرفان الصوفية، تكون الكتابة بالايحاءات الرمزية و هي أن تحمل كلمة أو جملة معنيين أحدهما أقرب إلى الذهن لكنه غير المقصود والثاني بعيد عن الذهن إذ أنه المقصود. قد تكون الغاية منها إثارة الذهن بالتفكر والتدبر لفك الشفرات الرمزية للكلمات أو الجمل والسر المكنون في جمالها أنها تثير الشعور بإحداث حركة ذهنية بارعة من خلال انتقال الذهن من المعنى القريب إلى المعنى البعيد لاثراء العقل بلغة الفكر المقدس وبالحكمة الإلهية بالدلالات، الألفاظ ، الإشارات ، والقصد منها إخفاء المعاني الرمزية بتعبير غامض – مجازي – سري – } وفيها خصوصية مسائل علوم الشريعة والحقيقة في محتواها العلوم الباطنية اللدنية المحفوظة على شكل بحور ممتده لا نهاية لها وهي آيات القران العظيم.
أهمية { علم اللاهوت } تعرف من خلاله الحقائق الغيبية والحقائق الواقعية في نظام { الماضي – والحاضر – والمستقبل } وفي أغلبية سور القران الكريم هما قسمان للعلوم الإلهية وهي التشريعية والتكوينية، ولقد اخفى الله سبحانه وتعالى اسرار هذه العلوم الباطنية بتشفيرات حروفية وكلامية مبهمة بعضها متشابه وبعضها مختلف وضرب الامثال والحكم وسرد القصص ووضح أوامره ونواهيه والعبرة منها تطبيع عقل الانسان بسنة وشريعة النظام الاسلامي المقدس تتجلى عليه انوراها القدسية الملائكية ليتحول الى إنسان نوراني خرج من الظلمات الى النور ومن نظام الفناء الى نظام حياة الخلود فيصبح الأنسان عبد رباني كامل المعاني والصفات ليس فيه نقص ويشفى من جميع الأمراض النفسية والجسدية بآيات الشفاء وباسم الله النور باذن الله تعالى، ويتعزز بالطاقات الايجابية مدى الحياة ، وان الله عز وجل نزل القران الكريم بصيغة اعجازية فريدة ليس لها مثيل تتحقق منه للعارف بالله أنظمة التجليات والمكاشفات والتسخير والمعجزات والبدائع والطبائع والتوظيف ..الخ ضمن نظام الخلود .
الأديبة الناقدة : دنيا صاحب / العراق