ماهيّة الرجولة . بقلم الكاتب الاعلامي …. أنور ساطع أصفري .

منبر العراق الحر :

يرى البعض من ضعاف النفوس أن الرجولة تكمن في المال أو السلطة أو الجبروت والتسلط والقمع ؛ والبعض الآخر يرى أن الرجولة تكمن في سعة الصدر والقدرة على العطاء والقدرة على الحوار مع الآخر ؛ وتقدير رأيه ؛ واحترم الآخرين مهما كان الاختلاف الفكري بين الطرفين .
ان مفهوم الرجولة يرتبط بعوامل مختلفة منها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية ؛ ويختلف هذا المفهوم من شريحة اجتماعية الى اخرى ؛ كما يلاقي هذا المفهوم تباينا من خلال البنية السليمة للانسان .
وإذا تحدثنا بشكل عام نقول أن للرجولة مفهومين ؛ المفهوم الايجابي والمفهوم السلبي.
المفهوم الايجابي : هو ذلك المعنى المرتبط بالسلوكيات الحميدة والراقية والتعامل الحضاري مع المجتمع والتحلي بالقيم النبيلة والاستعداد للتضحية من أجل الشعب أو المواطن ؛ والمنح والعطاء ، والتفاني في أداء الواجب ، والشعور بالانتماء الوطني . ومثالنا على ذلك أو على هذه النوعية من الناس تكمن أو ترتبط مباشرة مع رجال الفكر والسياسة في سوريا على سبيل المثال ؛ منذ عام 1954-1958 وهي فترة العصر الذهبي الديمقراطي في سوريا اضافة الى وجهاء البلدان الذين ضحوا بالكثير من أجل الوطن والمواطن وكذلك رموز العشائر الوطنية .
المفهوم السلبي : ينطبق على نوذج من الناس يمارسون الظلم على الآخرين ؛ والدجل والنفاق والتسلط والتسلق ؛ متسلقون لا يتورعون عن خداع الناس ويستخدمون القوة للسيطرة على من هم أضعف منهم بدنيا ( انها رجولة طاغية تقوم على استبداد الناس وسلب الشعب حريته وترّوج لتفشي الفساد لتهمين على مقدرات الأمة ) ومثالنا على هذه النوعية من الناس يرتبط مباشرة بانظمة المنطقة المتلاحقة منذ سنواتٍ طوال .
الحقيقة أن الرجولة عمل أخلاقي بالدرجة الأولى ؛ وحينما نصف رجلا بأنه عديم الرجولة فقد يأتي هذا الوصف من الرجال والنساء على السواء ؛ وهذا يعني أنه لا أنساني ولا يتحلّى بصفات وثوابت الرجولة .
فالرجل الحقيقي هو ذلك الانسان ، الانسان الذي يحمل بداخله مساحة كبيرة من الحب والتفهم والقدرة على الحوار والاعتراف بخطئه إن أخطأ ؛ اضافة الى العطاء غير المحدود ؛ والحرص على الأمة وعلى الشعب والانتماء الصادق للشعور الاجتماعي .
ان للموروث الشعبي تأثيرا سلبيا في مفهوم الرجولة ؛ إذ ربطه بالذكورة ؛ وخاصة ان المجتمعات الشرقية هي مجتمعات تميّز الذكر وتجعل له قيمة اجتماعية أكبر من المرأة ؛ وهذا من علامات تخلف المجتمعات ومخالفتها للأديان السماوية التي كرّمت المرأة ومن أبرزها الدين الاسلامي الحنيف إذ جعل للمرأة مكانة بارزة وأعطاها دورا واضحاً في المجتمع .
إن مفهوم الرجولة ارتبط في عقلية الانسان الشرقي بالذكورة ؛ وعلى الرغم من أن ذلك صحيح من الناحية النوعية والفسيولوجية ؛ فان هذا المفهوم غير منطبق تماما من الناحية الاجتماعية ؛ إذ يرتبط مفهوم الرجولة أيضا بعدة معايير منها الذكورة أولا ثم الشخصية والسلوكية التي يتميّز بها الرجل من حيث الموقف والفكرة والمبدأ .
فهناك رجال لهم مواقف واضحة في حياتهم العامة كمساندة الضعيف وصاحب الحاجة والسعي في خدمة الآخرين وإغاثة الملهوف ، والدفاع عن المظلوم أينما وجد ؛ ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الرجل فقط بل قد تتصف به كثير من النساء ؛ اذاً الرجولة موقف قبل أن تكون جنسا .
لقد ارتبط مفهوم الرجولة بالذكورة لعدة أسباب لعل أبرزها هو لفظ الكلمة (( رجولة = رجل )) ولم تفرز العقلية العربية المعاصرة مصطلحاً يعبر عن المفهوم ويستطيع كل من الرجل والمرأة الاتصاف به ؛ مما يتطلب اعادة النظر في هذا المفهوم واشاعة المعاني الايجابية منه في المجتمع ، وتجاوز المفهوم السلبي له ؛ والاّ ماذا سنقول عن الخنساء وعن أنديرا غاندي وعن جميلة بوحريد وعن فداء الحوراني وعن إيزابيللا الليندي على سبيل المثال وليس الحصر ؟.
فالذكورة في القرآن الكريم وصف فسيولوجي وعكسه الانوثة ؛ والرجولة تعني وظيفة هذه الذكورة ؛ وعكس الرجل هو المرأة ؛ فالذكورة والانوثة جنسن في نوع الانسان ؛ وكلاهما يشكلان نوع الانسان في المخلوقات الحية .
أما الرجل والمرأة فهما صفتان لوظيفتي الذكورة والانوثة من حيث الحقوق والواجبات والأداء المتميز ؛ ولو تتبعنا كلمتي الذكورة والانوثة في القرآن الكريم لوجدناهما على نحو ما ذكرنا ؛ مجرد وجود فسيولوجي ؛ كما قال الله تعالى (ياأيها الناس انّا خلقناكم من ذكر وانثى ) ((يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)) وهذا يعني ان الحكم متعلق بالذكورة والانوثة لمجرد كونهما كذلك بغض النظر عن وظائفهما وقيمة أدائهما .
أمّا عندما يأتي الكلام عن الرجل والمرأة فان هذا يعني وظيفة أو أداء سواء سلبا أو ايجابا . كما قال اللّه تعالى (( أو عجتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم )) . فهذا الرجل المذكور في الآية الشريفة له وظيفة يقوم بها وهي النبوة أو الرسالة .
وقوله تعالى (( أكان للناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر للناس )) أيضا هذا الرجل في الآية الشريفة ذكر له وظيفة عظيمة هي الرسالة التي أوحى اللّه بها اليه ليبلغها الى الناس .
وكذلك قوله تعالى (( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ؛ قال ياموسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك )) فهذا ذكر له أداء متميّز حيث غامر بنفسه في سبيل عقيدته وذهب يبحث عن شخص مطارد من فرعون وجنوده لكي يكون الى جانبه متحديا كل هذه الأخطار فهذا موقف رجولي .
أمّا الآية الكريمة التي تقول (( الرجال قوّامون على النساء )) يتخذها البعض ذريعة ليمارس الرجال على النساء كثيرا من الظلم والسلوكيات الخاطئة التي لا تمت للاسلام بصلة ؛ كالقسوة وعدم الأخذ برأيهن واعتبارهن ضلعا قاصرا .
أمّا عن مواصفات الرجل الذي يتمتع بالقوامة على النساء فقد قال اللّه تعالى (( الرجال قوّامون على النساء )) ولم يقل (( الذكور قوّامون على النساء )) . والرجال هنا هم ذكور لهم مسؤوليات عظيمة تجاه النساء وعليهم واجبات يؤدونها للنساء ؛ فمن لم يكن من الذكور رجلا بهذا المعنى فانه لا يكون من القوامين على النساء .
اذاً الرجولة موقف ومسؤوليات وواجبات وأخلاق ووعي وانتماء . الرجولة هي الصدق مع الذات ومع الآخرين ؛ الرجولة هي شهامة وعدل ومساواة ، الرجولة هي حكمة واتّزان ورأي ، الرجولة هي عطفٌ وحنان ورأفة ، وأن يكون الرجل بمستوى المواقف وأن يحترم الآخر مهما كان موقفه .
ونؤكد هنا أن موقف الرجولة غير مرتبط بجنس لأن هناك كثير من النساء أثبت التاريخ رجولتهن ؛ وهناك من قال أن هذه المرأة بألفِ رجل ، وذلك من خلال موقفها الصارم تجاه قضية معيّنة ، فالرجولة هي الموقف الذي ينتج عن تحقيق هدف سامٍ جداً لخدمة المجتمع والشعب والبشرية بشكل عام .
وهناك من قال ( المرأة بسبعة رجال ) وهذا القول يقال للمرأة القادرة على حل المشكلات وعلى التعامل مع الأهداف التي عجز عنها حتى الرجال .
ان الرجولة هي التحلي بصفات الانسان الخلوق الذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين ، ويقدر على الحوار وصولا الى حالةٍ من التفاهم بين الجميع من أجل استقرار المجتمع .
الرجولة هي مقدرة الرجل من رؤية العالم بوعي عقلاني وأن يتمكن من اتخاذ القرار المناسب والسليم في الوقت المناسب والمكان المناسب .
ومن ناحية اخرى فان أي انسان يتمتع بثلاثة أبعاد :
– البعد الضروري والذي يشمل المأكل والملبس والمسكن .
-والبعد الثاني وهو الجنس .
– والبعد الثالث هو البعد الاعتباري المتمثّل في منزلته الاجتماعية والثقافية .
وهنا يدخل المال في تعزيز الوضع الاعتباري للانسان ؛ وبهذا المعنى يقول الفلاسفة : ان الاغنياء تعجب بهم عامة الناس ؛ أمّا الحكماء والفلاسفة والعلماء فتعجب بهم الخاصّة .
هكذا نرى تأثير الاقتصاد على مفهوم الرجولة ؛ إن أي نمط اقتصادي ظهر في القرن العشرين سواء كان شيوعيا أو رأسماليا أو نازيا أو فاشيا كان يعزز بشكل أو بآخر قيمة الرجولة من خلال المال ؛ لأنه يوسّع أطماعهم ليزيدوا أرباحهم وهذا يمنحهم رجولة أكبر من خلال فكرهم ؛ لأن معظم الزعماء أو الأنظمة كان السبب في تكوينها هو التوسع من أجل الحصول على مكاسب مالية أكثر ، وهذا ما فعلته الانظمة الاقليمية ولا تزال ، والبنوك الاوروبية تشهد على عشرات المليارات المحفوظة لرجالات تلك الانظمة .
لقد سيطرت الانثى على التاريخ قديما والدليل على ذلك اننا نقول (( الأمة )) ولا نقول ((الأبه )) على الشعب ؛ وفي لامية العرب نجد الشاعر يقول ( أقيموا بني امي صدور مطيكم ) وهنا يخاطب الشاعر أبناء أمه وليس أبناء أبيه ؛ اضافة الى أننا نقول مثلا : بطن القبيلة وفخذ القبيلة وهذه أجزاء للتأنيث ؛ فالمجتمع قديما كانت تحكمه المرأة لحين اكتشاف الزراعة التي كانت تتطلب وتحتاج الى جيش من العمال ؛ ولهذا ينبغي على الرجل أن يقف على ذروة الهرم الاجتماعي بينما تستخدم المرأة لانجاب المزيد من الأولاد للعمل في الأرض كفلاحين ؛ ومن هنا تحولت ادارة الاقتصاد من يد المرأة الى يد الرجل . والرجل الشرقي علاقاته كلها في حياته اليومية علاقات ملكية ؛ فالمدير يملك عماله ؛ والضابط يملك جنوده ؛ والزوج يملك زوجته ؛ والحاكم يملك الأمة كلها .
وفي معظم المجتمعات العربية هناك متغيرات وفي ظلها لا يمكن أن نقبض على مفهوم متفق عليه للرجولة ؛ فالمنظومة القيمية في مرحلة تكوين ، والقضايا التي كان متفقاً عليها سابقاً تحولت الى اشكاليات ؛ ومع ذلك نؤكد دور المرأة في ترسيخ أو انتزاع المفاهيم ؛ لأنها الأم التي تكّون في رحمها الانسان سواء أكان ذكرا أم انثى ؛ ولكن عندما تستبطن هي نفسها القهر الانساني والعذاب النفسي والاضطهاد فانها قد تمارسه على أبنائها وعلى علاقاتها كلها .
لذلك نقول ان مفهوم الرجولة يرتبط في التوازن بين العقلاني والعاطفي ، ويرتبط بالعدل والشجاعة والحكمة والامانة .
فالرجل هو الانسان بكل تناقضاته فهو الذي يستطيع منح الحنان وقادر على احتضان الوجع الانساني وعلى تحمّل مسؤوليات من يتعامل معهم بصدق بعيدا عن الدجل والنفاق والتسلط والفساد الاجتماعي .
اذا هناك مفاهيم انسانية عامة علينا اعادة التفكير بها حول الرجولة ؛ التي هي في الأساس وعي وسعة صدر ومهمة انسانية وعطاء لا محدود واحتضان لوجع الأمة وللوجع الانساني بشكلٍ عام .
منطقة المرفقات

اترك رد